صالح البيضاني يكتب:
المسارات الوعرة للحرب والسلام في اليمن
الملف اليمني يمر بمنعطف حرج للغاية، متأثرا بتداعيات إقليمية ودولية متسارعة جدا، لكنها ليست مفاجئة، فقد ظل ملف الحرب في اليمن خلال السبع سنوات الماضية مادة للتجاذبات السياسية والإعلامية، قبل أن يتحول إلى حجر في زاوية الصراع الإقليمي المزمن بعد أن ضمته طهران رسميا لأوراق ضغطها في مفاوضات فيينا حول استئناف الاتفاق النووي.
وكما دفع اليمن سبع سنوات من عمر البلاد في حرب لم تحسم لأسباب عديدة ومتشعبة، لا يبدو أن انفراجة حقيقية تلوح في أفق الأزمة اليمنية، في ظل اتساع لدائرة الفقر، إلى جانب آثار أخرى مدمرة ألحقت الضرر ببنية المجتمع اليمني وعمقت من انقساماته السياسية والجهوية والمناطقية وحتى الأيديولوجية والثقافية.
وحين يتم الحديث عن نهاية لمسار الحرب الوعر الذي مر به اليمن خلال السنوات الماضية، لا يكون الرهان منطقيا إلا إذا قرناه بأمرين لا ثالث لهما، الأول يتمثل في حسم عسكري للحرب، إما من قبل الشرعية وهو ما يعني هزيمة المشروع الإيراني في اليمن وعودة البلاد إلى محيطها العربي، وإما انتصار الحوثيين ما يعني الاعتراف رسميا بتسليم خاصرة العرب لإيران ومشروعها الأيديولوجي المناهض للعرب.
أما الأمر الثاني الذي يمكن اقترانه بنهاية الحرب اليمنية، فهو اللجوء لحوار سياسي يفضي للاعتراف بنتائج سبع سنوات من حرب لا غالب فيها ولا مغلوب والقبول ضمنا بخارطة القوى التي شكلتها الحرب وهو ما يعني انتهاء لشكل الصراع الحالي وبداية مرحلة أخرى من الهشاشة السياسية والسلام الكاذب الذي ألفه اليمنيون عبر محطات مختلفة من تاريخ اليمن المعاصر حيث كانت الحلول الجزئية تمهد الطريق لصراعات أكثر دموية وجولات قادمة من الحروب على أنقاض التسويات المخاتلة التي لا تفضي إلى سلام حقيقي وهو الخيار الذي يبدو أكثر منطقية عند قراءة معطيات الصراع الراهن.
وفي حالتي الحسم العسكري المتعثر والسلام الهش المنتظر الذي لا يبدو أنه يلوح في أفق الحرب اليمنية يبدو الدور الدولي والأممي هذه المرة حاسما في وضع اليمن على عتبات المجهول أو في حالة اللاسلم واللاحرب، بالنظر للدور الدولي الذي يحول دون حسم المعركة كما فعل في الحديدة على سبيل المثال ويفشل كذلك في ممارسة ضغط حقيقي يفضي إلى سلام هش بات الكثير من اليمنيين يفضلونه على حرب هشة كذلك لم تنتج سوى المزيد من الفقر والمعاناة في صفوفهم ولم يسفر عنها سوى الكثير من تجار الحرب المتخمين الذين تتضخم ثرواتهم في مستنقعات الصراعات المجمدة التي لا تشبه الحرب ولا السلام.
وفي حقيقة الأمر وبقراءة منصفة لخلفيات الحرب اليمنية وما سبقها من صراع سياسي محتدم منذ العام 2011 لا يمكن تحميل أي طرف إقليمي أو دولي مسؤولية ما يمر به اليمنيون من معاناة إنسانية، واليمنيون أنفسهم في نقاشاتهم الداخلية يدركون أن نكبتهم في نخبهم السياسية وقياداتهم الأيديولوجية التي رهنت البلاد والعباد لصراع مصالح ذاتية وشبكات نفوذ تتشابك مع ارتهانات أيديولوجية تضع الوطن في آخر قائمة اهتماماتها وتعمل على تحويل هذا الوطن إلى ساحة صراع دولية وإقليمية، كما هو حال الجماعة الحوثية التي تنام في فراش طهران وتغسل وجهها بجداول الدماء اليمنية قبل كل صلاة نحو محرابها الأيديولوجي في “قم” وحوزات الحرس الثوري!