علي الصراف يكتب:
دعوة التعاون الخليجي وأسباب الفشل في اليمن
دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي للقوى والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية إلى الالتقاء في الرياض أواخر الشهر الجاري، أقرب إلى دعوة لمّ الشمل، منها إلى دعوة للبحث في حل سياسي للأزمة.
لمّ الشمل مفيد، لأنه يمكن أن يحصر التوافقات بين الأطراف الفاعلة في إطار محدد. فإذا نجمت عن هذا الإطار التزامات قابلة للمتابعة والتنفيذ، فإن ذلك سوف يوفر، مرة أخرى، ركيزة للحل السياسي متى أصبح الأمر ممكنا. وذلك على غرار الركائز الثلاث التقليدية، وهي المبادرة الخليجية في أبريل العام 2011، ونسختها التي تم تعديلها في ديسمبر 2014، ومخرجات مؤتمر الحوار الذي صدرت وثيقته في يناير 2014، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. وذلك فضلا عن مرجعيتين أخريين هما مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة في العام 2013 ومؤتمر الرياض الذي عقد في مايو 2015.
الحوثي كان طرفا في معظم هذه الركائز، وأخلى بوعوده كلها في الالتزام بنتائجها، مما يجعل مشاركته في دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون، أمرا لا فائدة منه، حضر أو لم يحضر.
العاصمة الجنوبية تحوّلت بسبب انفتاحها على كل القبائل إلى نوع من كيان كوسموبوليتي. الأمر الذي استجلب عليها النقمة المشتركة من الإسلام السياسي بشقيه: الحوثي والإخوان معا
سوف توفر الدعوة التي يشارك بها مبعوثون للأمم المتحدة وللولايات المتحدة، فرصة إضافية لكي يعرف هذان الأخيران، مرة أخرى، أن السعودية لا تقف حائلا أمام أيّ حل سياسي سلمي، وأنها لا تشترط على المتحاورين اليمنيين شيئا، ولا تريد منهم شيئا، كما أنها ليست راغبة باستمرار الحرب، وأنها مستعدة إلى جانب الإمارات لإقالة اليمن من عثرته اقتصاديا واجتماعيا، ليس لمحو آثار الحرب وحدها، بل ولإعادة الإعمار واستئناف نهضة تنموية شاملة في البلاد أيضا.
ولكن هناك ثلاثة أسباب، ما تزال عنيدة، للفشل.
الأول، هو أن الحوثي لا يملك من أمر نفسه شيئا. فقراره في طهران. وهذه لم تقتنع بأنه يتعين عليها أن تُخلي سبيل اليمن لكي يعود إلى أهله.
ولو أن طهران كانت هي التي وجّهت الدعوة إلى القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية اليمنية للتوافق على حل، بمشاركة الحوثي، وبالاستناد إلى ركيزة جديدة رابعة أو عاشرة، فإنها هي نفسها، ستقف حائلا دون تنفيذها.
هناك “شعب آخر” في اليمن لا يريد الحوثي الاعتراف به، لأن طهران لا تعترف هي الأخرى به. هذا الشعب هو كل الباقي من اليمنيين، غير جماعة الحوثي.
ماذا يبقى أمام هذا الفشل؟
الجواب الوحيد الهادئ والعقلاني والمتزن والإنساني، هو خوض الحرب إلى النهاية حتى يتم سحق هذه الجماعة بكل الوسائل وليس فقط بالصواريخ. لأنها هي التي لم تترك لليمنيين أيّ فرصة للاعتراف بحقهم في تقرير مصائرهم في بلدهم. ولأنها هي مَنْ تريد أن تُخضع البلاد لمشيئة مشروع طائفي مستورد لم يكن من مشاغل اليمنيين على مر العهود. ولأنها هي مَنْ تريد أن تحوّل اليمن إلى قاعدة عسكرية لإيران لتوجيه التهديدات، ولكي تعمل كوكيل ينوب عنها كلما أرادت القيام بالاعتداء على أمن دول المنطقة.
التفاوض مع منظمة إرهابية، هو نفسه أمر غير مبرر من الناحية المنطقية. لأن الإرهاب لا يتفاوض أصلا. هل رأيت إرهابيا، في أيّ وقت في التاريخ، يقبل بتسويات أو بحلول وسط؟
التفاوض شغلٌ من مشاغل المنظمات والأحزاب السياسية. والأمل بأن تكون جماعة الحوثي، حزبا سياسيا، لا أكثر من مجرد وهم زائد عن الحاجة فعلا. وهو يعوق التركيز على الحل الإنساني والمتزن والعقلاني والهادئ.
السبب الثاني من أسباب الفشل، هو الرئيس عبدربه منصور هادي. فهذا الرجل ضعيف، ولا يتمتع بكاريزما تؤهله لقيادة قرية، دع عنك بلدا في حالة حرب.
لقد تولى السلطة من موقع نائب الرئيس، بعد تنحي الرئيس علي عبدالله صالح في فبراير 2012. وعندما نفذ الحوثي انقلابه البشع على السلطة في سبتمبر 2014، أصبح هو “الشرعية” التي يتعين الدفاع عنها.
المفاضلة بين “ضعيف” و”بشع” مالت إلى صالحه، وظل رئيسا من دون أن يتوفر على القدرات الحقيقية لقيادة معركة سياسية ضد الانقلابيين، أو حتى لإعادة تجميع الأطر والفعاليات السياسية الأخرى لوضع البلاد على سكة الاستقرار من جديد.
عجزُ هذا الرجل وفشلُه الشخصي، كانا من أهم مبررات تدخل السعودية المباشر. أولا، بإنقاذه من السجن الذي وضعه فيه الحوثيون، مما كان بحد ذاته خطوة شجاعة لإنقاذ مبدأ الشرعية. وثانيا، لإنقاذ اليمن من الوقوع تحت سطوة تنظيم إرهابي يتبع أوامر خارجية. وثالثا، لإعادة تجميع القوى الاجتماعية والسياسية اليمنية على قاعدة توافقية مشتركة، وهي ما كان يقف وراء كل الجهود السياسية التي بذلتها الرياض، من قبل اندلاع الحرب، ومن بعدها أيضا.
دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي للقوى والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية إلى الالتقاء في الرياض أقرب إلى دعوة لمّ الشمل، منها إلى دعوة للبحث في حل سياسي للأزمة
ومن المؤسف أن ظروف الحرب ظلت تقيّد أيدي اليمنيين في البحث عن بديل له لا تتزعزع معه فكرة “الشرعية”. حتى استقالته التي قد يرغب بها هو نفسه، لم تعد خيارا معقولا، لأنها سوف تضيف اضطرابا على وضع عام مضطرب أصلا.
ومن هنا يأتي سبب الفشل الثالث. الاضطراب يعود في أحد أهم أسسه إلى أن هناك أطرافا ظلت تخون التوافقات السياسية، رغم أنها محسوبة على “قوى الشرعية”، كما ظلت تخون الجهد العسكري نفسه، مما تسبب في إطالة أمد المعركة، وفتح لها جبهات وتنازعات إضافية.
حزب الإخوان المسلمين، الذي يُعرف بالتجمع اليمني للإصلاح، لم يعمل سوى كطابور خامس، بين “قوى الشرعية”، لصالح الحوثي. من ناحية لأنهما على مشروع إسلام سياسي، له مشتركاته في الأسس، أكثر بكثير مما له مشتركات مع أطراف البلاد الأخرى. ومن ناحية أخرى، لأنه قوة قبلية ليست أقل تخلفا عن القوة القبلية التي يمثلها الحوثي. ومن ناحية ثالثة، لأن ارتباطاته مع تنظيمات الإرهاب الأخرى، مثل القاعدة، تجعله خصما عنيدا للسعودية، بل خصما عنيدا لليمنيين الآخرين جمعا.
هذه الجماعة، كانت هي أحد أهم أسباب فشل تجربة الوحدة اليمنية. وهي التي حاولت أن تستعبد شعب جنوب اليمن، الذي وإن كانت له طبائعه القبائلية والمناطقية المماثلة للطبائع اليمنية العامة، إلا أنه نما وتجرّد وابتعد عن تلك الطبائع ليتصرف كشعب تجتذبه ركيزة مختلفة نسبيا هي عدن. هذه العاصمة الجنوبية تحوّلت بسبب انفتاحها على كل القبائل إلى نوع من كيان كوسموبوليتي. الأمر الذي استجلب عليها النقمة المشتركة من الإسلام السياسي بشقيه: الحوثي والإخوان معا، قبل الوحدة في العام 1990 وبعدها، وقبل الحرب في العام 2015 وبعدها.
المخرج الوحيد من أسباب الفشل، هو ذاته المخرج الهادئ والعقلاني والمتزن والإنساني الذي يكفل نهاية الأزمة. فعندما يتم سحق تنظيم الإرهاب الحوثي، فإن تنظيم “الإصلاح” سوف يعرف ما ينتظره، إذا ظل يعمل كطابور خامس.
دعوة مجلس التعاون الخليجي، مفيدة، إلا أنها لن توفر حلا.