محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):

من التكفير الديني إلى التخوين القومي أربعة عقود من حروب نوروز السورية

بحسب قواعد النحو العربي لا يحتاج (نوروز) إلى (الـ) التعريف كونه علماً و اسم العلم معرفة. 

  لكن وعلى مرّ عقود من الزمن تم معاملة (النوروز) على أنه نكرة من قبل رواد و مناصري الحركات الدينية و القومية المتشددة، سواء كانت عربية أم تركية. 

 و للتعريف أكثر بنوروز تمت إضافة (الـ) التعريف إلى اسم العلم ولكن بقيت العقلية السياسية السائدة معتمدة على قاعدة التنكير و استعمال منطق الإنكار. 

 

-نيران النوروز و رصاصات القصر الجمهوري 

يتذكر الكردي في سوريا ما جرى في 21 آذار عام 1986 في العاصمة دمشق، حيث قوبلت مظاهرة احتجاجية غير منظمة بنيران الرشاشات التي كانت تحمي القصر الجمهوري. 

آنذاك استشهد الشاب الكردي (سليمان آدي) ابن منطقة الجزيرة السورية في دمشق. 

كان نوروز قبل هذا التاريخ مقيداً بأغلال شتى، وكان الاحتفال بهذا اليوم يحتاج إلى جرأة كبيرة تصل إلى حد المغامرة بالحرية أو الحياة من قبل من يريد الاحتفال. 

 

قريباً جداً من المكان الذي سالت فيه دماء (سليمان آدي) و بعد سنتين و من حادثة اطلاق النار، أصدر الرئيس السوري آنذاك (حافظ الأسد) المرسوم الجمهوري الذي يحمل الرقم 104 في عام 1988 والذي تم بموجبه إعلان 21 آذار من كل عام، عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد و لكن تحت اسم (عيد الأم). 

وقبل هذا التاريخ و منذ عهد الرئيس السوري هاشم الأتاسي كان يتم الاحتفال بعيد الأم في 13 أيار من كل عام، إلى أن جاء المرسوم الجمهوري الذي يحمل الرقم 104 و الموقع من قبل حافظ الأسد. 

 

-من القامشلي إلى الرقة  

أثناء أضرام نيران النوروز في عام 2008 داخل مدينة قامشلو، أطلقت قوات الأمن السورية النار على المحتفلين. فتكرر ما حصل أمام القصر الجمهوري في أواسط الثمانينات و أريقت الدماء و سقط ثلاثة شبان من الكرد شهداء في 20 آذار 2008 و شاءت الأقدار أن يحمل الشهداء الثلاثة نفس الاسم مع اختلاف في الكنية، كان اسم الأول (محمد يحيى خليل) و الثاني (محمد زكي رمضان) و الثالث (محمد محمود حسين).  

بعد عامين فقط من هذه المقتلة، تلون نوروز الرقة بلون الدم. حيث سقط (محمدٌ) آخر شهيداً بالقرب من نيران (النوروز) التي تم أضرامها في 21 آذار عام 2010 و ذلك عندما أطلقت قوات الأمن السورية آنذاك الرصاص الحي فاستشهد الشاب الكردي (محمد محمود) و جُرّح العشرات من المواطنين السلميين المحتفلين بالنوروز. 

هذه الجرائم تم ارتكابها في السنوات و العقود التي سبقت الصراع السوري الذي بدأ في آذار 2011. 

 

-مفخخات داعش و جرافات فصائل المعارضة 

ظهرت داعش و أخواتها فتم استهداف النوروز مرة أخرى، و لكن هذه المرة تحت اسم الدين و تكفير الآخر المختلف، فتم مهاجمة احتفالية نوروز في مدينة الحسكة عام 2015 من قبل تنظيم داعش في مكانين مختلفين بنفس المدينة و ذلك بسيارتين مفخختين. و نتيجة للتفجيرين استشهد أكثر من 50 مواطن كردي كان أغلبهم من النساء و الأطفال. 

 

بعد هذا الهجوم الدموي بثلاث سنوات و في 18 آذار من عام 2018 دخلت الفصائل الإسلامية المسلحة الموالية لتركيا و التي تعمل تحت اسم المعارضة السورية بقوة السلاح و بدعم عسكري ضخم و تدخل مباشر من قبل الجيش التركي إلى مدينة عفرين السورية و التي يشكل الكرد الأغلبية المطلقة في هذه المدينة. 

أول ما تم تدميره داخل المدينة كان النصب التذكاري الذي يمثل (كاوا الحداد) بطل النوروز و الذي يمثل رمز انتصار ثورة المظلومين ضد طاغية تلك الحقبة قبل حوالي ثلاثة آلاف عام. 

 

-من السرية و الدماء إلى العلنية و الاعتراف الرسمي 

أما ما تغير على الأرض هو أن الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا هي السلطة الحاكمة الوحيدة في سوريا التي اعترفت رسميا بعيد النوروز و اعتبرت يوم النوروز من كل عام عطلة رسمية في كافة المناطق التي تديرها الادارة الذاتية من ديريك (المالكية) في المثلث الحدودي بين سوريا و تركيا و العراق، وصولا إلى مدينة الرقة و منبج و ريف ديرالزور الشرقي حيث احتفل الكرد و العرب و باقي المكونات الأخرى معاً هذا العام. 

 

وعلى الرغم من كل ما مضى، و مرور أربعة عقود على أول حادثة قتل علنية من قبل السلطات السورية بحق المحتفلين بالنوروز، مازالت تلك العقلية التي تتعامل مع (النوروز) العلم المعرّف ب(ال) التعريف، بمنطق التنكير و الإنكار. 

ويجتمع في فتح جبهات حروب النوروز من يعادي بعضهم البعض بدءا من حزب البعث العربي الاشتراكي وصولا إلى داعش و جبهة النصرة و أحرار الشرقية و فصيل العمشات و من يدور في فلكهم. 

 

-حروب الهزائم السورية 

في سوريا لا يستفيد أحد من التاريخ – هكذا يقول لسان حال الواقع المُعاش -  فكل طرف يمتلك عدة بنادق، يركب موجة التطرف الديني و القومي ليعيد ما انتجه من سبقه، و لكن تحت اسم مختلف. 

و كما هو معروف للقاصي و الداني فالدولة السورية لم تربح حرباً قط لا خارجية و لا داخلية، في نهاية كل حرب هناك هزيمة لا بل مجموعة من الهزائم يتم ترجمتها عبر المؤسسات الاعلامية الرسمية إلى انتصارات و بطولات غير موجودة على أرض الواقع. 

و حروب النوروز منذ أربعة عقود هي من ضمن حروب الهزائم السورية المتتالية، و استناداً إلى ما تقدّم فإن نوروز ليس فقط عيد قومي للشعب الكردي في سوريا، بل هو معضلة حقيقية يتوضح من خلال التعامل الرسمي مع هذه المعضلة ملامح و هوية ليس فقط النظام الحاكم لدمشق بل حقيقة كل حركة دينية أو قومية تسعى إلى أن تكون بديلا لحزب البعث. 

 لذلك أبواب الحرب السورية ستبقى مفتوحة على مصراعيها إلى أجلٍ غير مُسمى، من دون أن يكون هناك منتصر من أهل الدار. فكل الأطراف السورية تدمّر بعضها البعض و المواطن السوري هو الذي يدفع فاتورة الحرب. 

*كاتب سوري