د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الهوية الجنوبية الضائعة 2- 4

كنت اتمنى أن ابدأ سلسلة مقالاتي بربط تاريخي عن الهوية الجنوبية كيف بدأت ؟وكيف تشكلت ؟من واقع التاريخ الضارب في حياة الأرض والإنسان الذي نشأ في جنوب الجزيرة العربية ولاشك أن لدى الكثير ممن قرأوا التاريخ من القراء الكرام سواء  من كان منهم  على مقاعد الدراسة او ممن له اهتمامات بالثقافة والمطالعات والإبحار في صفحات التاريخ ولا زال يتذكر ولو سطورا  قليلة من ذلك التاريخ لاشك انه لازال يحتفظ في ذاكرته ببعضه رغم ان الزيف والتدليس قد طال الهوية الجنوبية في اطار الحملات المتعاقبة منذ أوائل  الخمسينيات من القرن الماضي  .
 
ولكن دعونا نحصر مقالنا اليوم في البحث عن الهوية الجنوبية الضائعة...فما يجري اليوم على الساحة السياسية في اليمن ليس سوى امتداد تاريخي لما  قبلها ..ولاشك انه يجري بتوافق اقليمي ودولي ..في اطار المصالح الاستراتيجية لتلك الدول ولو كان الثمن باهظا ومن دماء شعب الجنوب الذي مضت عليه سنوات وهو يقاوم  ويقاتل في الجبهات ويطالب باستعادة دولته  وحريته وكرامته ..وانا أعلم مسبقا أن الاتهامات ستطالني على ما أقول فهي جاهزة للإشهار كسيوف مسلطة على أصحاب الرأي او من يحاول مجرد الخروج على النص الذي حددوه والخروج عنه جريمة لا تغتفر..!!
وسينعتون من يخرج عليه بشتى التهم الجاهزة فهؤلاء تهمهم مصالحهم بالدرجة الاولى فقط ..!!
ولا زلنا نتذكر أن الإنجليز هم من بدأ تلك المخططات الجهنمية ولا زالوا وبرلمانهم يشهد باللوحة المكتوبة على مدخله التي تقول : (من هنا تخرج سياسة العالم ) وهم عندما يرسمون سياساتهم وخططهم ليس لعقد من السنين بل لقرن كامل ..
وقد قالها الضابط البريطاني "الميجر فرنسيس" علانية وهو يمهد لإسقاط امارات شبوة آنذاك من خلال تواجده في عتق وتوزيعه المال والسلاح لمساعدة الجبهة القومية في اسقاط الامارات الجنوبية قال ذلك عندما قابله الشيخ فريد بن محسن نائب أمير العوالق والرجل القوي في تلك الفترة قال له:
 (بريطانيا ليس لها اصدقاء دائمون بل مصالح دائمة ) !!
 
وفي ذروة القتال في منطقة حطيب في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي والمحاولات البريطانية لإخضاعها للنفوذ البريطاني ومعارضة سلطان العوالق العليا عوض بن صالح على ذلك حيث كانت قبائل آل شمس الربيز تتصدى للقوافل العسكرية البريطانية آنذاك وفي اطار المساعي الإنجليزية معهم كتبت لهم ادارة المعتمد البريطاني رسالة طويلة جاء في آخرها ما يلي :
 
(ان الزيود يعطونكم اليوم ملأ بطونكم وغدآ سيعطونكم الموت والهلاك انكم أضعتم بلادكم ولا يمكنكم أن تعودوا اليها وستكونون مرغمين على العيش خارجها)
 
وهذا ما حدث مع الحزب الاشتراكي(اليمني) عندما ذهب بشعب الجنوب في وحدة اندماجية مهد  لها بيمننة الجنوب العربي منذ كتابة أول ميثاق "للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل " ثم تمسكوا بهذه التسمية بعد  استقلال الجنوب عام 1967م وعندما فجروا  أحداث 13 يناير عام 1986م وكانت محصلة ذلك انهيار دولة الجنوب مما مهد لغزوها لاحقا  عام 1990 م ودفع الجنوب  خلال الفترة الانتقالية مسبقا  ثمنآ باهظآ لذلك عندما تم اغتيال أكثر من 150 من قيادات وكوادر الجنوب  ثم ما لحق ذلك من تدمير دولة الجنوب وكامل مؤسساتها وابتلاع كامل ارض الجنوب بخيانات وتواطؤ بعض ابنائه مقابل مناصب صورية هزيلة وحفنة دولارات ..!!
وهذا هو حالنا اليوم ولا زال العرض والطلب على بيع ما تبقى من ارض الجنوب بصكوك مغلفة بشرعية زائفة من ابناء الجنوب أنفسهم !!..
وبالعودة الى سياسة الإنجليز قد يقول البعض منا ..كيف يقول الإنجليز هذا الكلام وينفذون ما يناقضه ..وأقول لكم نعم لقد تغيرت سياستهم بعد حرب السويس عام 1956م بعد المد الناصري وارادوا الانسحاب من كافة قواعدهم شرق السويس وهنا الفرق عندما كانت الامارات المتصالحة (الامارات العربية )اليوم عندما كانت مستعمرة والكويت كذلك خرج الإنجليز منها بطريقة مختلفة عن الجنوب رغم وجود أكبر قاعدة عسكرية في عدن تدير قيادة عمليات الشرق الأوسط ومع ذلك قررت الخروج منها ، أتدرون لماذا؟؟
 
حتى تعتبر شعوب الخليج مما سيجري في الجنوب من أحداث مفجعة عندما يتم  تصدير الثورات لها  ابان المد الناصري ..والكل في الخليج يعرف التقدم الحضاري الذي وصلته عدن قبل الكويت ودبي وابوظبي وقطر والبحرين بمراحل طويلة وهي رسالة منها لدول الخليج كافة أن اعتبروا !!.
 
كل تلك الخطط البريطانية المشؤومة كانت مقررة لشعب الجنوب ومستقبله بعد المد الناصري ليتدمر على أيدي ابنائه وهذا ما حصل ولا زال الكيال  يكيل فيه حتى اليوم ..
فتأملوا من حولكم من ابناء الجنوب او ممن يسمون أنفسهم بالقيادات التاريخية وهم يبيعون قضية شعب الجنوب ويزايدون عليه في سوق النخاسة الدولية مقابل مناصب زائفة او حفنة من المال ولا داعي للإفصاح أكثر من ذلك فهم سيطلون عليكم عبر الفضائيات في القريب العاجل وهم يرتدون لباس الوطنية ومسوح الرهبان والمخلّصين لكم من ادران الذنوب والمظالم التي لحقت بكم
 
(وللحديث بقية وهو ذو شجون والى اللقاء في الحلقة القادمة)
د. علوي عمر بن فريد