مختار الدبابي يكتب:

موت التناصف

بعد ثورات الربيع العربي نشطت بشكل فعال فكرة التناصف في المناصب بين النساء والرجال. كان الهدف إحراج الإسلاميين الذين وضعوا أيديهم على الدولة وتحكموا بالمؤسسات. وضمن قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” أغرق الإسلاميون، أقله في تونس، اللجان والهياكل بالنساء بمن في ذلك من لم تكن لهن خبرة بالسياسة ولا بالحياة.

ونتذكر جيدا سنية بن تومية التي صعدت إلى المجلس التأسيسي وشِعرها الركيك وقصيدتها عن الدوّارة (الكرشة) واقتراحها بيتا للشهداء يجتمعون فيه، وتحولها إلى مادة للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا كان الإسلاميون قد جازفوا وملأوا المقاعد الشاغرة بنماذج بعضها ساذج وبعضها خارج التاريخ، أو “جهامة تمشي على الأرض”، والبعض الآخر عادي يأكل اللبلابي ويمشي في الأسواق، فإن خصومهم لم يغامروا بأن يملأوا فراغ التناصف، كانوا أكثر ارتباكا ومحافظة و”رجالية”. الصور تختلف، لكن العقول هي نفسها..

يمكنك أن تلمس ذلك بيسر حين تنظر إلى المكاتب القيادية في الأحزاب والنقابات، وإلى اللجان الاستشارية التي تم الإعلان عنها مؤخرا لتفكر في مستقبل تونس بعيدا عن “ظلال” الإسلاميين.. لا توجد بها امرأة.. يا للحداثة التي ننشدها تحت الظلال الجديدة.

بعض الدول العربية اختارت فكرة “الكوتا” النسائية لتفرض تمثيلا ولو محدودا، وهي تعرف مسبقا أن ثقافة الرجال لا تسمح للنساء بتصدر المشهد ولو في الصف الثاني أو الثالث.. “الكوتا” نفسها تستبطن نظرة دونية، لكنها تعبير صارخ عن تخلف مجتمعاتنا حتى تلك التي تبدو الأكثر حداثة..

هذا لبنان، كل أمل سيداته أن تفضي التغييرات الجديدة في البرلمان إلى إعادة النقاش بشأن الزواج المدني إلى الواجهة.. نعم مجرد نقاش القضية مكسب في مجتمع طائفي.. ضاعت كل الصرخات التي أطلقتها رائدات النضال النسوي في لبنان سدى. ذهبت صرخة “أنا أحيا” لليلى بعلبكي في ستينات القرن الماضي وصعود “تيار الوعي” الجارف نحو التغيير، وبقيت محاكم الطوائف تشد لبنان إلى ثقافة استعباد النساء تحت مسوغات فقهية قديمة.

في مصر تسير الأمور نحو الأسوأ يوما عن آخر. التيار الأزهري الغالب الآن يحتمي بالسياسة ليقود البلاد إلى ما هو أسوأ.. كانت الحركات المدنية تضغط على الإخوان من أجل تحقيق مكاسب مختلفة بينها مكاسب للنساء. الآن هذه الحركات لا تستطيع أن تضغط، فالتيار المحافظ احتمى بالرئيس عبدالفتاح السيسي ليمرر أفكاره آخرها تصريحات أحمد كريمة الشيخ الذي عرف بعدائه لجماعة الإخوان.

أحمد كريمة صار يفتي يمينا وشمالا، وآخر تخريجاته فتواه التي تقول إن “على الزوجة إعانة زوجها على الزواج بأخرى بدلا من ارتكابه الفاحشة”.. يا الله، أي نعيم نحن فيه بين أيادي هذه الوجوه والتيارات التي تعيش داخل الكتب الصفراء وتتخفى مليّا وراء السياسيين.