فاروق يوسف يكتب:
هل يجر اتحاد الشغل تونس إلى فوضى جديدة؟
كانت الإضرابات مقدمة لسقوط حكومة سلفادور اليندي في تشيلي عام 1973 فهل ينوي الاتحاد التونسي تكرار التجربة الأليمة التي كانت بمثابة لحظة عار في تاريخ البشرية؟
كان العسكري بينوشيه في الحالة التشيلية جاهزا للانقضاض على الدولة مثل نسر. كانت الأحزاب وبالأخص اليسارية منها قد ساهمت في الخيانة حين تخلت عن اليندي بسبب رغبتها في أن يكون مستبدا وهو ما رفضه وهو ما كان سببا في مقتله. كان ديمقراطيا إلى لحظة انتحاره.
لم يدرك المضربون سخف وغباء ما فعلوه إلا حين بدأت المجزرة التي راح ضحيتها الألوف من شباب تشيلي إضافة إلى الالوف التي شُردت وهاجرت ووصلت حتى النرويج.
يضغط الاتحاد التونسي للشغل من أجل أن لا تستجيب تونس لشروط البنك الدولي وهو في ذلك يلعب دورا سياسيا يسعى من خلاله إلى أن يكون وصيا على الدولة. وكما يبدو فإن كل شيء في تونس فقد وزنه الحقيقي لذلك كان من الطبيعي التفكير في أن يُعاد الاتحاد التونسي للشغل إلى حجمه الحقيقي، منظمة اجتماعية لا شغل لها بالسياسة.
لقد جرى تسيس كل شيء بطريقة عبثية وخبيثة.
اتحاد الشغل يقاوم اجراءات الرئيس قيس سعيد من خلال محاولة تعطيلها. ولكن ذلك يتفق مع رؤية حركة النهضة التي لا يطيق وجودها في الحياة السياسية. وهو بذلك يناقض موقفه ويشوش على المستفيدين من خدماته إذ يضعهم في موقف "مع وضد" فلا يعرفون الاتجاه الصحيح الذي يجب عليهم أن يتبنوه.
ذلك نوع من الفوضى المتفرعة عن فوضى الحياة التي خلقتها حركة النهضة على مختلف الأصعدة وفي مقدمتها الصعيد الاقتصادي.
ما ينبغي تفهمه أن معالجات الرئيس سعيد الاضطرارية ما كان لها أن تتخذ مجراها الطبيعي لولا ما فعلته حركة النهضة بالاقتصاد التونسي عبر السنوات العشر الماضية.
ولا أظن أن ذلك غائب عن عقل قيادة الاتحاد التونسي للشغل. اما حين ينقلب الاتحاد على تلك القناعة فإن ذلك يعني شيئا واحدا. الاشتراك في مؤامرة يُراد منها إعادة حركة النهضة إلى الواجهة بعد أن فشلت ذاتيا في القيام بذلك.
ما لا يُخفى على أحد أن حركة النهضة صنعت دولتها وهي الدولة التي نفذت أوامرها وقت حكمها ولا تزال طوع يدي زعيمها الغنوشي. ففي كل يوم يتم الكشف عن بؤرة نهضوية داخل الدولة. وما عزل 57 قاضيا بتهم الفساد والتغطية على الارهابيين إلا جزءا يسيرا من تلك العملية العسيرة التي قد تستغرق زمنا طويلا.
ربما تعتقد قيادة الاتحاد أنها عن طريق الاضراب تخدم مصالح منتسبيها. وهو اعتقاد خاطئ. ذلك لأنه يقوم على سوء فهم مرده عدم الاطلاع بدقة على أحوال الدولة وما الذي يمكن أن يحدث لو تركت الأمور الاقتصادية على حالها من غير ضوابط ومن غير الاستعانة بالمنظمات المالية الدولية.
من غير ذلك فإن الدعوة إلى الإضراب هي بمثابة خطوة متهورة في اتجاه الانتحار. فتونس لا تحتاج في مرحلتها الحالية إلى تظاهرات شغب بل إلى مبادرات خلاقة تنتشلها من وضع شائك ومعقد لم يصنعه نظام بن علي بل هو واحدة من ثمار الثورة التي قام بها الشعب واستولى عليها الإخوان.
لقد تركت حركة النهضة وراءها دولة تكاد أن تكون مفلسة في ظل ما مارسته وتمارسه دولتها الخفية من عمليات فساد دمرت قطاعي السياحة والفلاحة. وهو ما أفضى إلى أن يجد مئات الالاف من التونسيين أنفسهم قريبين من خط الفقر. ذلك وضع يحتاج إلى مراجعة حازمة وعلاج عاجل وإلا ستتجه تونس إلى المجهول الذي تسعى إليه حركة النهضة بعد أن فقدت السلطة وصار عليها أن ترد على اتهام وجود جهازها السري أمام القضاء وصار على زعمائها وبالأخص راشد الغنوشي أن يتعرضوا للمساءلة.
ما ينبغي على قيادات الاتحاد التونسي للشغل أن تتفهمه أن دور الاتحاد وهو يدافع عن مصالح جمهوره ينبغي أن يكون ايجابيا وأن لا يسعى إلى إفشال اجراءات الرئيس قيس سعيد التي حررت تونس من فوضى الأحزاب وأزالت الغطاء الرسمي عن حركة النهضة وهي تسعى للزج بتونس في مشاريع تدميرية ليست لها مصلحة فيها.
يسعى الرئيس سعيد إلى بناء دولة جديدة تقوم على الاصلاح بعد أن تهتكت عرى الدولة القديمة. ومن المؤكد أن دورا ايجابيا يلعبه الاتحاد التونسي سيكون له أكبر الأثر في دعم الاتجاه الإصلاحي.