د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

سألوني لماذا تكتب ؟ ولمن ؟!

عدن

سألني الكثيرون لماذا تكتب ؟ ولمن تكتب ؟ وهل هناك من يقرأ اليوم أو يهتم بالقراءة في زمن تتكدس فيه الكتب  والصحف على أرصفة الشوارع وتكاد تلامسها أحذية العابرين دون اكتراث !!
وقالوا انه زمن ردئ كسدت فيه الكتب والكتابة لا تجد من يقرؤها في هذا الجو المشحون بالحقد والكراهية فيغتالون أصحاب الكلمات الحرة وخاصة من رفضوا بيع أنفسهم وتأجير أقلامهم في سوق النخاسة وتزييف الوقائع ووجدوا أنفسهم على قارعة الطريق يبحثون عن وظيفة حتى خارج سوق الكلام في زمن انحدر فيه الاعلام صوتا وصورة وأصبح يلمع صورة المجرمين والقتلة اليوم 
في حين كان بالأمس القريب مرآة الوطن والمواطن وصورته وكان يستمد مداده من حبر السماء وينقش حروفه على الغيوم في لوحات ملونة كأنها قوس قزح يتربع في كبد السماء !!
ورغم ذلك كله يسألوني لماذا تكتب ولمن ؟؟ فأقول لهم سأظل أكتب حتى لو أصبحت الكلمة سرابا في عز الظهيرة ولكنها بقايا وطني وروحي وبقايا وجع السنين العجاف التي سحقت سنابل العمر في عز طلوعها ولا زالت تنخر الروح وتتسلل بين أضلعي فينتابني شعور بأنني أكتب ضد الوجع الذي في نفسي اكتب حقيقة لأتنفس وقد ضاقت بي رئتاي من أجل فجر آخر مختلف ،لا يصادره السماسرة ولا الجلادون !!
نعم إنها عملية فكرية معقدة طويلة الأمد تحتاج إلى كل قلم نير وإلى جهد ضخم من كل التنويريين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والآن أشهد أن لا جدوى أن نتداوى من الوجع بالكتابة ...فالوجع أكبر من كل اللغات !!
وأسأل نفسي : ما جدوى الكتابة في زمن خراب وجوع ومرض وبطالة وقهر وعطش وفساد وبطاله ؟!!  الآه تطوقني حد الاختناق والميادين ملبدة بالفراغ مليئة بأطفال الشوارع الذين يبحثون في حاويات القمامة ويبيعون العلكة والبالون ويمسحون زجاج السيارات ويمدون ايديهم حتى لو اغلق البعض عليها زجاج سياراتهم  ومئات العائلات المستورة تنام على الجوع والطوى وتتكور أجسادها من الجوع  وتأبى عزة نفوس أصحابها أن تمد أيديها للغرباء أو حتى ذوي القربى !!
تغمرني مساءاتنا الحزينة بالضجر والخواء يفزعني صليل السلاسل واستغاثات الحناجر في ليالي الدهاليز الطويلة...ويدمرني العجز والتواطؤ الجماعي ولكن : هل علينا أن نستسلم ونكسر أقلامنا ونغلق أفواهنا ؟ ونحن اصحاب القلم الموكلة الينا هذه الأمانة والقادرين على تصوير الواقع والحال بحجة أن لا أحد يقرأ ولا يعير للكتابة بالا ؟!!
هل فعلا كتاباتنا لن تغير من هذا الواقع شيئا؟ في زمن كثر فيه اللصوص ؟!!
ان هذا ما يقتلني.. صمتي واشعر ان الكلمات تتحول في صدري الى جمر وصديد إن لم أحررها من اساور الخوف وعندما امسك قلمي لأكتب ينفجر في وجهي سؤال لمن تكتب!!؟؟
ماذا بيد القلم أن يفعل؟  لا شيء يغري بشيء، واعرف انه وحده الصمت يقول ما لا تقوله الكلمات وحدها تعطي معنى لكل شيء!! حين يكون كل شيء بلون الدم !! حين يصبح العالم من حولنا زنزانة يحتمي خلف جدرانها الصماء سجان يعذب السجناء حسب هواه والتهم جاهزة !!
وتغتال كل جمال يبقى في النفوس المعذبة ويمارسون كل يوم  نحر القيم  في صمت رهيب تماما كالجمل الذي يذبح كل يوم ، صدقوني هم الذين اختاروه لا انا، المطبلون المنظرون المنبريون وباعة المديح المزيف اختاروا لنا  هذا المصير هم القابعون فوق صدورنا واخذوا مكاننا هم من اختار لون الشفق ، وحددوا لنا في الوجع الدواء في الكتابة الدواء فأكتب لأن فعل الكتابة هو تحرير من فعل العبودية لمن لا يستحقها ولمن يستحقها...فهناك الحق و هناك الباطل...و بينهما يتربع فعل الكتابة..فانظر لمن تكتب حتى تعلم في أي اتجاه تكتب؟ و إذا وجدت منطقة بين الحق و الباطل فهي منطقة الإنسان الذي يتحلى بالاختيار بينهما العتمة التي تحتاج من يضيئها حتى تبدو جلية واضحة مشرقة و تنفض عنها الظلام و تتحلى بنور الضياء في النهار و بالسراج المنير في الليل...لكن هذا من باب المنطق و العقل...أما من نافذة الوجدان...فالألم يمزق وجودنا و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم... فكم طال هذا الليل بثقل أحزانه حتى لم تعد أكتافي تطيقني فأمسيت أضع أكفاني فوق أحزاني و أبتسم للمتربص بي في كل وقت و تبدو الكتابة في كثير من الأحيان تجديفا ضد العاصفة و مذاقها المر في فمي أقوى من كل الحبر المراق على أوراقي المكدسة ولكنني سأظل عصيا وشامخا ورأسي لن ينحني مهما ضربتني الزلازل وعصفت بي رياح الظلم شأني كسائر الشرفاء الذين يموتون في صمت وهم شم الأنوف في سهول ووديان الوطن .  
د. علوي عمر بن فريد