فيصل اليافعي يكتب:

دول غرب أفريقيا عاجزة عن مواجهة المد الجهادي

دولة توغو الواقعة في غرب أفريقيا أعلنت خلال الأسبوع الماضي تمديد حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر أخرى. وكانت قد أعلنت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المنطقة الشمالية خلال يونيو الماضي إثر هجوم متشددين على موقع عسكري أسفر عن مقتل جنود. وكان الهجوم الأول من نوعه داخل توغو منذ بدء هجمات الجهاديين في المنطقة الأوسع في منتصف 2010. لكن البلاد شهدت هجمات أخرى خلال الأسابيع التالية.

وتعد توغو أحدث دولة في منطقة غرب أفريقيا تتعرض مؤخرا لهجوم إرهابي مميت. وقد انتشر ما بدأ تمردا في بلدان الساحل (حزام من الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى) ببطء ولكن بلا هوادة جنوبا إلى البلدان الساحلية، حيث هاجم المسلحون كوت ديفوار وجمهورية بنين.

ولا يُظهر التمرد أي علامة على التراجع، وتبدو الدول المتضررة عاجزة عن إيقافه، لتصبح الحكومات في وضع دفاعي دائم بسبب مرونة المسلحين والمساحات الشاسعة التي تقع خارج سيطرة السلطات، وبسبب الحدود التي يسهل اختراقها خارج المدن الرئيسية وعدم قدرة هذه الحكومات على الحفاظ على الأمن أو على التنبؤ بمصدر الهجوم التالي.

ويسبّب انتشار الجهاديين في المنطقة الفوضى ويحول دون الاستقرار السياسي، كما أنه جاء نتيجة لهذا الأمر نفسه، حيث عانت جميع بلدان الساحل من أزمات متتالية على امتداد سنوات: الاضطرابات السياسية، والافتقار إلى الحكم الرشيد، والأزمات الغذائية وتغير المناخ. ومع انتشار هذه الأزمات، يصبح التوصّل إلى حلول سياسية صعبا.

ويمتد عدم الاستقرار إلى الهياكل والتحالفات السياسية ويفككها، وهي التي كان من المفترض أن تقدم حلّا للأزمات.

وكانت فرنسا سحبت خلال الشهر الماضي جميع قواتها من مالي بعد أن تمركزت في هذا البلد لفترة قاربت عقدا من الزمن في إطار عملية برخان. وجاء هذا الانسحاب بسبب تدهور العلاقات بين البلدين بعد انقلاب عسكري شهدته باماكو قبل عامين.

جاء هذا التدهور لأسباب سياسية بالطبع، لكن شعورا شعبيا كان وراءه. وتتصاعد المشاعر القومية في العديد من بلدان الساحل، حيث تشعر الجماهير بأن الحكومات عاجزة عن إنهاء العنف في ظل التدخل الخارجي، وحيث لا تزال ذكريات التدخل الغربي والفرنسي التاريخي ماثلة بقوة.

وتبقى مالي حتى الآن الدولة الوحيدة التي أمرت القوات الفرنسية بالخروج. لكن الاحتجاجات المناهضة لفرنسا اندلعت في كل بلدان الساحل، وخاصة تشاد والنيجر، حيث تتمركز القوات الفرنسية بالآلاف الآن. ولن تكون مالي آخر دول الساحل التي تغادرها القوات الفرنسية نظرا إلى تدهور الدعم الشعبي في فرنسا.

لكن علينا الانتظار لنرى مدى رضا هذه الجماهير عن حكوماتها. ويرجع جزء من سبب قبول الجمهور لانقلاب مالي 2020 إلى أن الحكومة السابقة كانت تعتبر ضعيفة وغير قادرة على وقف العنف. وكان نفس المنطق وراء الانقلاب الذي شهدته بوركينا فاسو في يناير من هذا العام. لكن حكم القادة العسكريين (أو حالات الطوارئ طويلة الأمد كما هو الحال في توغو) لا يبدو أنه يخفف العنف أو ينهيه.

وتبحث الدول عن تحالفات سياسية جديدة بدلا من ذلك. وقد رحبت مالي بالفعل بوجود المرتزقة الروس رغم إصرار الحكومة على أنهم مجرد مدربين عسكريين. واعترفت بنين في الأسبوع الماضي بأنها تجري محادثات مع رواندا التي تبعد عنها أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر للمساعدة في وقف الجهاديين.

وتُسهم المرونة وسرعة حركة المتمردين وهشاشة التحالفات السياسية في تنامي الشعور بالانهيار، وهو ما يُجبر الدول على اللجوء إلى البحث عن أي حل متاح كل مرة في محاولة منها لإنهاء العنف فقط.

لكن ما تحتاجه هذه الدول هو إستراتيجية مشتركة في منطقة شاسعة مثل غرب أفريقيا حيث توجد الكثير من الأماكن التي تسهّل التخفي. ويمكن للمسلحين دائما الحصول على أسلحة وموارد من بلد والتجمع في دولة أخرى والتخطيط لشن هجمات انطلاقا من دولة ثالثة.

لكن العوامل نفسها التي سمحت للتمرد بالانتشار هي نفسها التي تضاعف مخاطر الوضع؛ الحدود طويلة وسهلة الاختراق، ويعيش أكثر من نصف سكان غرب أفريقيا في المناطق الريفية، وينتشر عدم الاستقرار والجوع في ستة بلدان على الأقل في المنطقة حيث يحتاج الملايين من الأشخاص إلى المساعدة. ويدفع كل هذا إلى تململ السكان. ويزداد احتمال زعزعة الاستقرار مع اقتراب الهجمات من المناطق المأهولة على الساحل، وخاصة نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 200 مليون.

وفي ظل هذه الخلفية يبدو تمديد حالة الطوارئ مجرد ضمادة سياسية على جرح خطير. وتترقب دول المنطقة المزيد من الهجمات مع وجود خيارات قليلة أمامها.