فيصل اليافعي يكتب:
بعد سيطرة طالبان يبدأ البحث عن الحلفاء
غادر الأميركيون أفغانستان أخيرًا وبدأ عهد جديد للبلاد، ومن المرجح أن مؤرخي الحرب الأهلية الوحشية في أفغانستان قد تفاجأوا من مدى تشابه اليوم بالأمس، وكيف طفت على السطح بهذه السرعة شخصيات من فترة التسعينات.
فها هو قلب الدين حكمتيار، أحد أمراء الحرب الذين قصفت ميليشياته العاصمة بشكل عشوائي في التسعينات، ولم يُسمح له بالعودة إلى البلاد إلا منذ ثلاث سنوات مضت، ينضم إلى مجلس قد يدير البلاد، ويجلس إلى جانب الرئيس السابق حامد كرزاي.
وها هو أمير الحرب الأفغاني سيء الصيت عبدالرشيد دوستم، الذي اتُهمت قواته بارتكاب جرائم عديدة، يسعى الآن إلى لعب دور وطني إلى جانب طالبان.
أما أحمد مسعود، ابن أحمد شاه مسعود، أمير الحرب الموالي للولايات المتحدة، ويبقى من أمراء الحرب رغم موالاته لها، وقد حاربت ميليشياته حركة طالبان عندما كانوا في السلطة، ها هو يعود إلى أفغانستان ويكتب مقالات افتتاحية في الواشنطن بوست مقتبساً في مقالته من خطاب روزفلت، ومطالباً الأميركيين بتزويده بالمزيد من الأسلحة.
وهذه هي الأنشطة التي تفرزها إعادة النظر في المصالح والتحالفات المفاجئة، لقد خلق النصر والهزيمة حلفاء غريبين، وبينما يسعى السياسيون والميليشيات والدول بشكل عاجل إلى خلق تحالفات جديدة، يبدو وكأنهم مستعدون لتحمل أي قدر من طمس الحقائق التاريخية لمجرد البقاء على مسرح الأحداث، ولا حصانة لأحد من هذا المسلك الرخيص، لا الأميركيين ولا العالم الخارجي ولا حتى طالبان نفسها.
بالنسبة لباكستان، فهناك فرق ما بين تولي زمام الأمور من قبل جماعة إسلامية منبوذة ومحاذية للحدود، كما حدث في التسعينات، وأن تكون تلك الجماعة قد أطاحت للتو بالقوة العظمى المسؤولة ويتم قبولها دوليًا
وفي غضون أيام، اضطرت الولايات المتحدة للتفاوض مع العدو الذي أمضت عشرين عامًا في قتاله، فقط لإخراج أفرادها من المطار سالمين. وتغيرت صورة حركة طالبان من مسبب الاضطرابات ومقوض الاستقرار إلى “الناس الطيبين”، الذين يحاولون منع مفجري داعش من العبور عبر نقاط التفتيش. وقال رئيس القيادة المركزية الأميركية في حديثه عن هجوم مطار كابول الذي أسفر عن مقتل مدنيين أفغان وجنود أميركيين “لا أعتقد أن هناك أي شيء يقنعني أن طالبان سمحت له بالحدوث”.
وفي وسائل الإعلام الغربية، يستمر السرد القصصي حول الخير ضد الشر، حتى أن هناك دعوة لـ”المقاومة” ضد طالبان وشن المزيد من الحروب، بل وحرب لا نهاية لها، في حين أن نزع فتيل الحرب وإنهاء النزاع هو السبب الفعلي الذي علل به العديد من الأفغان سماحهم لطالبان بدخول مدنهم من دون أي مقاومة تذكر.
والمثير للغرابة أن هذا البحث عن الحلفاء يمثل إشكالية بالنسبة إلى الغرب ولطالبان أكثر مما يمثله للدول المحاذية لأفغانستان، لأنّ كليهما يسعى إلى خلق مستوى متسق ومتناسق خُلقياً ليبرر به أفعالهما.
وبالنسبة إلى الغرب، هناك بُعد أخلاقي وسياسي للتحالفات التي يعقدها مع الأخرين، فلا يزال من المهم للسياسيين الغربيين أن يُنظر إليهم على أنهم يتعاملون مع أطراف”نقية أخلاقياً”، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لإقامة تحالفات مع مجموعات مشبوهة، هو تجاهل أو التقليل من أهمية تلك الجرائم التي ارتكبتها تلك الجماعات، وتشمل تلك الجماعات بصراحة كل شخص مهم تقريبًا على الأراضي الأفغانية نتيجة عقود من الصراع الوحشي. إن البعد السياسي معقد بشكل كبير، لأنه لا يمكن لأي حكومة غربية قُتل مواطنوها في ساحات القتال الظهور في هيئة من ارتضى بذهاب تلك التضحيات سُدى.
كما تحتاج طالبان أيضًا إلى إظهار نقاء وطهر فكري معين، خاصة بعد قتال الغرب لفترة طويلة، فقد فقدوا أيضًا رفاقهم وعليهم أن يُثبتوا لأتباعهم أن تلك الخسائر البشرية لم تذهب هدراً، وسيكونون مدركين أيضاً حساسية انتصارهم. وتمتلك أفغانستان مليارات الدولارات التي تم ضخها إلى خارج البلد وستحتاج طالبان إلى الوصول إلى الشبكات المصرفية للحصول عليها، وأشار ممثلو طالبان بالفعل إلى أنهم يريدون اعترافًا دوليًا حقيقيًا من السفارات والدبلوماسيين.
وللحصول على ذلك الاعتراف، سيتعين عليهم فتح هيكل سلطتهم المركزي وغير الشفاف وتعاليمهم الدينية، التي ربما تكون أكثر غموضًا، كما سيتوجب عليهم تقاسم السلطة، اسمياً على الأقل، مع من حاولوا إيذاءهم، وإحدى هذه الشخصيات هو الرئيس السابق، حامد كرزاي، وقد يُجبرون على تقديم عرض له، وهو نفس كرزاي الذي قُتل أخوه على يد طالبان واحتفلوا بمقتله علنًا.
ولن يخرج أي أحد من لعبة التنازلات هذه خالياً من “الدنس”، حتى أولئك الذين انتصروا ظاهريًا في الحرب يسعون جاهدين لضمان عدم تكبدهم لأي هزائم وهم يحتفلون بنصرهم.
وبالنسبة إلى باكستان، فهناك فرق ما بين تولي زمام الأمور من قبل جماعة إسلامية منبوذة ومحاذية للحدود، كما حدث في التسعينات، وأن تكون تلك الجماعة قد أطاحت للتو بالقوة العظمى المسؤولة ويتم قبولها دوليًا.
وتعتقد باكستان أن أفضل نتيجة هي أن تعمل حكومة طالبان بشكل أقل بقليل من مستوى الاحترام العالمي، لتستمر كابول في حاجتها الدائمة إلى إسلام أباد، والأسوأ بالنسبة إليها هو دولة طالبانية والتي يمكن أن تحفز نزعتها المحافظة الباكستانية.
كما أن مقارنة طالبان لهزيمتها للولايات المتحدة مع موقف إسلام أباد الأكثر مرونة تجاه السياسات الأميركية يضع باكستان في وضع صعب وهو ما يرجح أن تلجأ باكستان إلى البحث عن تحالفات بغيضة مناهضة لطالبان من أجل الحد من نفوذها.
وجعلت الهزيمة الأميركية من الجميع واقعيين، ولكن في أفغانستان حتى الفائزين يجب أن يقدموا بعض التنازلات.
إن ضرورة التعامل مع واقع حركة طالبان داخل المجتمع الدولي مع الظهور بمظهر الملتزم بالقيم والمبادئ في نفس الوقت، تستدعي طمس بعض الجرائم من قبل كل الأطراف، جميع الأطراف طالبان و”المقاومة” والسياسيين الغربيين والأفغان والجواسيس الذين ما زالوا يبحثون عن فرص عمل، سيسعدهم رؤية شيء من طمس الجرائم، طالما أن الأسلحة والمال والسلطة ستستمر في التدفق.
الأشخاص الوحيدون الذين لم يُسألوا هم أسر الضحايا، الذين اضطروا ذات مرة إلى ارتداء ملابس الحداد السوداء، وهم الآن يرون الرجال الذين تسببوا في مآسيهم يعودون إلى كابول.