د. أنور محمد موسى يكتب:

مبادرة "الوطن العربي الإفتراضي" رؤية واقعية لعالم عربي موحّد

غزة

مبادرة الوطن العربي الإفتراضي تمثّل كياناً افتراضياً موحداً و موازياً للعالم العربي الحقيقي المجزّأ والممثّل باثنتين و عشرين  دولة على الأرض. و المبادرة تجسد الإتجاه السائد في العالم للإستفادة من الفضاء الإفتراضي كمجال واعد لمواجهة مشاكل الواقع الحقيقي و تحسين ظروفه.  ومن المأمول أن تكون الخطوة الأولى في الطريق الصحيح و الطويل نحو وطن عربي حقيقي وموحّد. بوجود مسودة دستور إفتراضي  وعَلَم ، يحق لكل عربي الإنتماء إلى الوطن الافتراضي وتثبت جنسيته العربية الأُم، و حجز رقمه القومي العربي الإفتراضي. المواطنون الافتراضيون هم بالفعل جزءٌ من العالم العربي الحقيقي بالإضافة إلى كونهم جزءًا من الوطن العربي الإفتراضي، ومن ثمّ  فإنهم سيشكلون جسرًا بينهم وسيمثلون قوة ضغط إيجابية و هادئة على صانعي القرار في العالم العربي الحقيقي لتنفيذ كل ما هو في مصلحة الشعب العربي ومواجهة التحديات المصيرية. ستزيد هذه القوة كلما زاد عدد المواطنين الإفتراضيين المنتمين إلى الوطن العربي الإفتراضي. 

 

الهيئة العليا التي ستشرف على المبادرة هي "مجلس الحكماء" الذي سيتم انتخابه من قبل "المواطنين" الافتراضيين. و أُولى مهام مجلس الحكماء هي الإشراف على إعداد "الدستور الإفتراضي" و من ثم  سيقوم بالاشراف أيضا على عملية الإنتخاب الديمقراطي "للبرلمان العربي الافتراضي" والذي بدوره سيشكل اللجان و الدوائر المختصة بعمله حسب الدستور الافتراضي . و المبادرة لا تسعى للتعامل- بأي شكل من الأشكال- مع أمور مادية كالعملات المشفرة أو الأراضي الافتراضية أو غيرها، و ليست موجهة الى أي كيان معين أو منطقة جغرافية خاصة. تمثّل المبادرة في إحدى جوانبها منتدياً فكرياّ عربياً، تتيح لمواطنيها الافتراضيين مناقشة و التأثير في قضايا العرب الحيوية بطريقة علمية هادئة، متحررين من تعقيدات الفرقة المصطنعة الناتجة عن تناقض مصالح و اهتمامات الدول و الكيانات المنبثقة عن "معاهدة سايكس بيكو".  و تهدف لتشكيل رأي عام عربي يمثّل قاسماً مشتركاً بين مختلف التوجّهات الفكرية و السياسية والأيديولوجية وضاغطاً باتّجاه الوحدة العربية الطوعية كإتحاد فيدرالي بين "الإثنتين و العشرين ولاية" التي تمثّل الدول العربية الحالية، ليتحول الوطن العربي الإفتراضي الى تجسيد حقيقي على كامل التراب العربي باسم:

 

الولايات العربية المتحدة

(United Arab States- UAS)

 

و من أجل هذا الهدف، لن يتم التطرّق الى الإختلافات الفكرية و السياسية والأيديولوجية – مع إحترامها- لأن الهدف الأساسي هو إقامة الوطن الموحّد و بعد ذلك يُترك شأن طبيعته الدستورية و الأيديولوجية لرأي الأغلبية عبر الطرق الديمقراطية. تسعى المبادرة الى ترسيخ حلم الوطن العربي الموحد في عقول أبنائه -قبل قلوبهم- عبر برنامج إقناع مبني على الحقائق من أجل الوصول طواعية  للتجسيد الفعلي على كامل التراب العربي. و تؤمن أن الوطن العربي الموحد ليس غاية بحد ذاته فحسب، بل  وسيلة لا غنى عنها لتحقيق الأمن والكرامة و الحقوق الإنسانية و العيش الكريم لأبنائه!

 

لا تنتمي مبادرة الوطن العربي الإفتراضي لأي اتّجاه أو حزب سياسي أو حركة  فكرية ما، و لا تسعى لذلك! وهي خطة منهجية لا تمثّل حركة ثورية، و ليس في منهجها الدعوة الى مسيرات شعبية أو أي عمل حركي، و لا تحتاج لذلك! المبادرة تهدف الى النشر الممنهج و الشامل لثقافة التسامح  وقبول و احترام الآخر على مستوى الأفراد في الوطن العربي و نبذ الميل للعنف و العنصرية بكافة أشكالها. و تسعى لأن يتمتع مواطنو "الولايات العربية المتحدة" المأمولة بكافة الحقوق و الواجبات و المساواة التامة سواء كانوا عربا أو أقليّات. و تهيّء الفرصة لجميع المهتمين العرب و المتخصّصين للتعبير عن آرائهم بحرية حول كل ما يتعلق بآمال وتطلعات العالم العربي، و لتطوير حلول إبداعية قابلة للتطبيق للمشاكل المستعصية، بالاضافة  لإعداد تصورات عملية مبنية على أسس علمية و منهجية للقضايا المصيرية. المبادرة تُشرك التكنوقراط في وضع تصوّر الحلول للمشكلات الملحة في العالم العربي، و ذلك للإستفادة من القدرات الهامة لمتخصصي العلوم التطبيقية في حل المشكلات بطريقة علمية و منطقية بحتة ، بعيدًا عن المؤثرات السلبية للقوى السياسية و الاقتصادية المهيمنة.

 

المبادرة تستند على أنّ الوضع الجيوسياسي للمنطقة العربية يثبت من الناحية الواقعية عدم إمكانية تحقيق الاستقرار فيها، و بالتالى النهضة الشاملة و الدفاع عن مقدراتها و صيانة حقوق و كرامة شعبها، إلاّ بوجود كيان متّحد (اتحاد فيدرالي كامل). و لهذا نجد القوى العالمية-التي تدرك ذلك جيداً- تعمل كل جهدها لعرقلة قيام إتحاد عربي على أسس ثابتة.و حيث أنّ الوضع العربي الحالى  المفكّك لا يستطيع مواجهة التحديات المصيرية للأمة العربية، تؤمن المبادرة أنّه اذا اقتنع الشعب العربي بضرورة الإتحاد -بصورة عقلانية - فلن تستطيع أي قوة خارجية منعه من تحقيق ذلك! و حيث أنّ دولاً مختلفة الأعراق و اللغات و الثقافات تسعى لإنشاء تكتلات جامعة من أجل مزيد من القوة، نجد أنّ العالم العربي يجمعه تاريخ مشترك و لغة واحدة و قومية جامعة  ووحدة جغرافية متواصلة. و لذلك تستند المبادرة على حقيقة أنّ العرب أولى بأن يكوّنوا وطنا موحداً من كثير من الإتحادات العالمية مثل الهند و الصين و روسيا، التي يتكون كلٌّ منها من العديد من القوميات و الثقافات و الأديان و اللغات المختلفة و عدد سكان بعضهم أضعاف سكان الوطن العربي و مع ذلك أوطان موحدة! 

 

المبادرة تمثّل مساراً عملياً مبنيّاً على مراحل للتنفيذ مع جدول زمني، و تستفيد من مميزات الفضاء الافتراضي لتوحيد العالم العربي على أُسسٍ علمية و منهجية.  مخاطبةً اللّبنة الأولى في الكيان العربي، و هي الإنسان العربي نفسه، ترتكز المبادرة على أساسين رمزييّن (العلم و بطاقة الهوية) و على قاعدة دستورية (الدستور الافتراضي ) و على خمس برامج عملية، ثلاثة منها تتعامل مع الحاضر و اثنتان تحضّر للمستقبل. و المبادرة تستهدف القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي منذ اتفاقية “سايكس-بيكو”  و التي تتمثّل في أمرين أولهما غياب- أو تغييب- الوعي الكامل عند الإنسان العربي بالحقائق الجيوسياسية للوطن العربي، و ثانيهما الإحباط المتراكم عند المواطن العربي بسبب فشل محاولات سابقة- كانت متسرعة و ارتجالية- للوحدة العربية حتى أصابه كثير من اليأس من امكانية تحقيقها!

 

الهدف الأساسي التي تقوم عليه المبادرة،إذن، هي معالجة هذين الأمرين -عبر مخاطبة العقل الجمعي العربي بواسطة "برنامج الإقناع" من خلال كشف و بيان الحقائق الخاصة بالوضع العربي من كل الجوانب و بشكل علمي منهجي و ملموس، تثبت الحاجة البديهية و الملحة لوجود الكيان العربي الموحّد بشكل عقلاني. و كذلك إنتشال عقل الإنسان العربي من حالة الإحباط  عبر الدعوة- و الحثّ- الى التفكير، حيث أن مجرد بدء المرء في التفكير الجدي في مشكلة ما، هو أول الطريق الصحيح و الآمن للوصول الى التغيير الإيجابي.

 

المبادرة تهتم ببناء الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه أولاً، معتبرةً أن البناء في العقول يمثل أقوى و أكثر الأبنية ثباتا و استقراراً ، و بالتالي ستضعف تدريجيا القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي، و ستصبح رخوة، و ما تلبث أن تبدأ هذة الأعمدة بالسقوط بصورة ذاتية! و ستنهار تدريجياً كل ركائز و شواهد الإنقسام العربي، و حينها سيتجه الشعب العربي بصورة طوعية لتجسيد و تطبيق الإتحاد فعلياً على الأرض.

 

 وحتى يكون هذا التوجّه آمناً و غير عشوائي، ستدعمه المبادرة عبر اتّخاذ خطوات منهجية و تدريجية و محسوبة بدقة  للتحوّل في جميع المجالات الإقتصادية و السياسية و مؤسسات الحكم و القضاء و التشريع و غيرها بصورة سلسة عبر برنامج "التحوّل المنهجي و السلس نحو الإتحاد الفيدرالي". و سيقوم بهذا الأمر خبراء في كافة المجالات ذات الصلة، معتمدين على مخرجات "نظام محاكاة ذكية لولايات الوطن العربي"، تحت إشراف مجلس الحكماء.

 

لا يقتصر دور المبادرة على إنجاز الوحدة المأمولة بصورة فعلية على الأرض فقط و إنما تهتم أيضاً بطبيعة و مستقبل هذا الكيان النّاشىء. و لذلك فهي تعمل على تطوير نموذج لما سيبدو عليه الوطن العربي في المستقبل "النموذج المستقبلي للوطن العربي" بحيث يجاري التطورات المتسارعة في العالم. وطن يُرسم مستقبله كما يأمل مواطنوه، ليس فقط من ناحية توفّر أساسيات الحياة الكريمة للمواطن العربي، و إنما أيضا توفّر سبل و امكانات الابداع و الطموح و تحقيق الذات. و حتى إذا كان هذا النموذج المأمول لا يمكن تطبيقه في الوقت الحاضر أو في المستقبل المنظور بسبب الظروف الحالية، فمن المنطقي أن يأمل الإنسان العربي في الوصول إليه في المستقبل بشكل تدريجي بعد أن يتمكن من تغيير ظروفه إلى الأفضل.