د. أنور محمد موسى يكتب لـ(اليوم الثامن):

نداء العقل: إلى المثقفين والتكنوقراط العرب.. الحاجة المُلحّة والخيار الآمِن

على ضوء الوضع العربي الحالي من تفكّك و ضعف، و عدم قدرة على مواجهة التحديات المصيرية للأمة العربية،  و على ضوء المآسي العربية من حروب مفتعلة في أجزاء متعددة من الوطن العربي، و ما نتج، و ينتج، عنها من قتل للنساء و الأطفال و الرجال و العجائز، و من تهجير قسري إلى بلاد العالم، و ما يسببه من موت و إهانات،

 و نظراً لعدم توفّر أساسيّات الحياة الكريمة للمواطن العربي في كثير من الأقطار العربية، ناهيك عن غياب أسس الإبداع و آفاق الطوح و تحقيق الذات،

و بناءً على عدم مقدرة الأقطار العربية منفردة على بناء نهضة حقيقية شاملة في مختلف المجالات، ترتكز على بناء الإنسان العربي و استنهاض طاقاته، و على إمتلاك الشعب لمصادر غذائه و دوائه و علاجه، و على وجود مختبرات البحث و التطوير في أفرع العلم المختلفة، و على التصنيع الذاتي لتكنولوجيا فائقة تنافس للتصدير في الأسواق العالمية.  و  على الصناعة الذاتية لمستلزمات الدفاع،

 و نتيجة لغياب العدل في كثير من أقطارنا العربية، و الذي يُعد  أساس و مقياس قوة الأوطان،  و بما أنّ  التآمر على منطقتنا العربية يتم بصورة أكثر تركيزاً بسبب الحقائق التي تميزها كملتقى لثلاث قارات، و كخازنة لثروات طبيعية متنوعة، و كنقطة تقاطع للحضارات العالمية الرئيسية القديمة، و كمهد للأديان السماوية، ما جعل العالم عامة و الغرب خاصة ينظر إليها  كبؤرة كامنة لصراع الحضارات،

 و اعتماداً على أنّ  العالم العربي يجمعه تاريخ مشترك و لغة واحدة و قومية جامعة  ووحدة جغرافية متواصلة و دين واحد (في معظمه). و أنّ العرب أولى بأن يكوّنوا وطنا موحداً من كثير من الإتحادات العالمية مثل الهند و الصين و روسيا، التي يتكون كلٌّ منها من العديد من القوميات و الثقافات و الأديان و اللغات المختلفة و مع ذلك أوطان موحدة،   و بما أنّ الوضع الجيوسياسي للمنطقة العربية يثبت من الناحية الواقعية عدم إمكانية تحقيق الاستقرار فيها، و بالتالى النهضة الشاملة و الدفاع عن مقدراتها ومواجهة تحدياتها الخارجية، و صيانة حقوق و كرامة شعبها، إلاّ بوجود كيان متّحد (اتحاد فيدرالي كامل)،  و حيث أنّ الشعب العربي- من المحيط و الخليج- أثبت تمسّكه القاطع بهويته العربية الجامعة،

     و نظراً لعدم إمكانية حدوث توافق و تكامل حقيقي بين الأنظمة الرسمية، و عدم قدرتها متفرّقة على مواجهة التحديات المصيرية للأمة العربية،  و بما أنّ فرص التغيير المتمثّلة بالثورات الداخلية لم يُكتب لها النجاح لأسباب عديدة، وهي بالطبع غير آمنة و غير مضمونة النتائج، و تسبب ضحايا و خسائر لا نريدها، و نتيجةً لانعدام أي أفق يبشر بحدوث تغيير إيجابي نحو غد عربي أفضل في المدى المنظور،

  و بما أنّنا كمثقفين و تكنوقراط لا يناسب- بل و من غير المنطق- أن نقف مكتوفي "العقول" أمام كل ما سبق ذكره، و غير قاصرين عن فعل ما يتوجب علينا فعله، و لسنا بالطبع أقل من نُخَب و شعوب العالم الذين قادوا بلادهم لمراتب التطوّر و العز و القوة، و نظراً للحاجة الملحّة على ضوء كل ما سبق، و بعد دراسة التجارب التاريخية لعالمنا العربي، و فرص التغيير المتاحة بناءً على الوضع الحالي، فإننا في مبادرة الوطن العربي الإفتراضي ‏[1] نعرض مساراً عملياً متكاملاً، يمثّل خياراً آمناً  للتغيير الإيجابي، مبنيّاً على أسسٍ علمية و منهجيّة، بعيداً عن العاطفة و الإرتجالية (ملحق ‏1).

المبادرة لها هدفين مركزيّين: الأول مرحلي وهو بناء الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه ،على أمل تجسيده كواقع على الأرض (ملحق ‏2)، و الثاني مستمر و مُتجدّد يتمثّل في النموذج المستقبلي للوطن العربي في العالم الكلّي (بفرعيه الحقيقي و الإفتراضي).

   النموذج المستقبلي للوطن العربي في العالم الحقيقي تمّ إيجاز بعض أهم أساسياته في ‏[2] ،أمّا النموذج المستقبلي في العالم الإفتراضي فيمثّل تحدياً اضافياً، يفرضه العصر الرقمي الجديد بكل جوانبه الإيجابية و السلبية، و تمّ إلقاء الضوء على بعض أهم بنوده في ‏[3].

 و لذلك فإننا نوجه نداء العقل الى المثقفين و التكنوقراط العرب، فوق التراب العربي و في المهاجر، للمشاركة الفعّالة[1] في هذه المبادرة، التي تضم الجميع- كقاسم مشترك بين مختلف التوجّهات الفكرية و السياسية والأيديولوجية- لتحقيق الهدف المشترك من أجل مصلحة أجيالنا المستقبلية.

 1.    ملحق 1

لا تنتمي المبادرة لأي اتّجاه أو حزب سياسي أو حركة  فكرية ما، و لا تسعى لذلك، بل تمثّل قاسماً مشتركاً بين مختلف التوجّهات الفكرية و السياسية والأيديولوجية. وهي خطة منهجية لا تمثّل حركة ثورية- غير مضمونة النتائج، و ليس في منهجها الدعوة الى مسيرات شعبية أو أي عمل حركي، و لا تحتاج لذلك! المبادرة تخاطب العقل الجمعي العربي، و تعتمد على الإقناع المبني على الحقائق الملموسة لتجسيد الرغبة الملحّة للشعب العربي في الإتحاد و التنمية الشاملة على أسس علمية و منهجية، دون السماح بأي مظهر من مظاهر الصدام.

 2.    ملحق آليّة عمل المبادرة

المبادرة تمثّل مساراً عملياً مبنيّاً على مراحل للتنفيذ مع جدول زمني، و تستفيد من مميزات الفضاء الافتراضي لتوحيد العالم العربي على أُسسٍ علمية و منهجية.  مخاطبةً اللّبنة الأولى في الكيان العربي، و هي الإنسان العربي نفسه، ترتكز المبادرة على أساسين رمزييّن (العَلَم و بطاقة الهوية -المحتوية على الرقم القومي العربي) و على قاعدة دستورية (الدستور الإفتراضي ) و على خمس برامج عملية، ثلاثة منها تتعامل مع الحاضر (برنامج الإقناع المبني على الحقائق الملموسة، نظام المحاكاة الذكية لولايات الوطن العربي، و وحدة جمع و نشر النتائج) و اثنان يحضّران للمستقبل (التحوّل المنهجي و السلس نحو الاتحاد الفيدرالي، و النموذج المستقبلي للوطن العربي الكلّي- بفرعيه الحقيقي و الإفتراضي). و المبادرة تستهدف القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي و التي تتمثّل في أمرين أولهما غياب- أو تغييب- الوعي الكامل عند الإنسان العربي بالحقائق الجيوسياسية للوطن العربي، و ثانيهما الإحباط  المتراكم عند المواطن العربي بسبب فشل محاولات سابقة و متسرعة للوحدة العربية، حتى أصابه كثير من اليأس من امكانية تحقيقها!

الهدف الأساسي التي تقوم عليه المبادرة،إذن، هي معالجة هذين الأمرين -عبر مخاطبة العقل الجمعي العربي بواسطة "برنامج الإقناع" من خلال كشف و بيان الحقائق الخاصة بالوضع العربي من كل الجوانب و بشكل علمي منهجي و ملموس، تُثبت الحاجة البديهية و الملحة لوجود الكيان العربي الموحّد بشكل عقلاني. و كذلك إنتشال عقل الإنسان العربي من حالة الإحباط  عبر الدعوة- و الحثّ- الى التفكير، حيث أن مجرد بدء المرء في التفكير الجدي في مشكلة ما، هو أول الطريق الصحيح و الآمن للوصول الى التغيير الإيجابي.

المبادرة تهتم ببناء الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه أولاً (الشعب و الأنظمة الرسمية على حدٍ سواء )، معتبرةً أن البناء في العقول يمثل أقوى و أكثر الأبنية ثباتا و استقراراً ، و بالتالي ستضعف تدريجيا القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي، و ستصبح رخوة، و ما تلبث أن تبدأ هذة الأعمدة بالسقوط بصورة ذاتية! و ستنهار تدريجياً كل ركائز و شواهد الإنقسام العربي، و حينها سيتجه الشعب العربي بصورة طوعية و حضارية (هو من يقرر توقيتها و كيفيّتها بالتوافق و الإقتناع العقلي مع الأنظمة الرسمية [2]، كخيارٍ آمنٍ دون أي مظهر من مظاهر الصدام) لتجسيد و تطبيق الإتحاد فعلياً على الأرض.

 

مراجع

[1]   http://virtualarabwatan.com

[2]  د. أنور محمد موسى "الوطن العربي الإفتراضي.. نحو نهضة عربية شاملة" http://virtualarabwatan.com/#/blog/16

[3]  د. أنور محمد موسى " العصر الرقمي الجديد و العالم العربي.. نظرة مستقبلية ، و ناقوس خطر" http://virtualarabwatan.com/#/blog/18

[1]  المشاركة الفعّالة في خطة عمل المبادرة حسب مراحل التنفيذ و الجدول الزمني، المبين في منصتها.

[2] الأنظمة الرسمية العربية على قدرٍ من الدّراية و الذكاء يسمح لها بالإستنتاج أنّ الوضع العربي لا يمكن أن يستمر بشكله الحالي في العصر الحديث، و تعرف أنّه من مصلحتها و مصلحة شعبها أن تجاري التطورات المتسارعة في العالم الكلّي (الحقيقي و الإفتراضي).  و كونها- بالطبع- جزءاً من الشعب العربي، و تعرف أنَ التغيير حتمي، فمن المنطق أن يكون بالتوافق و التنسيق التام مع رغبة الشعب ، و الاّ مزيدٌ من التشتت و الإندثار- لا سمح الله تعالى.