محمد خلفان يكتب:

"اليوم للغد" جوهر الاستدامة

تدخل دولة الإمارات العام الجديد، 2023، بأجندة ثرية وحافلة بالخطوات الضخمة وبالنقلات النوعية في مختلف المجالات.

فبالإضافة إلى تنوع المجالات وقطاعات التطور والإنجاز الإماراتي، تتنوع أيضا الأشكال والتجسيدات، فتشمل خططا وسياساتٍ إلى جانب الأحداث والفعاليات.. غير أن "دُرة التاج" في منظومة العمل الإماراتي في العام الجديد جاءت في إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، يوم الجمعة الماضي، أن "2023 عام للاستدامة".. أي عام توجيه جهود الدولة -حكومة وشعبا- نحو استدامة الحياة والعمل من أجل مستقبل باهر وواعد.

ولكي يكون المستقبل "مستداما" لا بد أن يجري العمل عليه بشكل متكامل وشامل ومتنوع ومتوازٍ في آنٍ.. وهي الخواص المميزة لأبعاد "الاستدامة" بمفهومها الشامل.. وحيث إن الحياة الإنسانية سلسلة متواصلة من المراحل والمحطات المتصلة، التي يسلم بعضها بعضا، فإن ما وصل إليه العالم حاليا ليس إلا نتاج الأعمال والمراحل الماضية.. وما سيكون عليه شكل العالم مستقبلا هو بالضرورة حصاد الجهد البشري في الحاضر.

وفي بلورة وتلخيص هذا المعنى العميق، ليس أبلغ من الشعار الذي رفعه صاحب السمو رئيس الدولة لعام الاستدامة عنوانا لعام الاستدامة، وهو "اليوم للغد".

وكما قال سموه: "من خلال عملنا وجهودنا ومبادراتنا اليوم، نصنع غدًا أفضل لنا ولأبنائنا وأحفادنا.. لنترك إرثا إيجابيا للأجيال المقبلة، كما ترك لنا الآباء والأجداد".

وتتضمن الترجمة العملية لهذا التوجه الواعي خطوات وتحركات متعددة داخليا وخارجيا ومتكاملة نوعيا.

منها على سبيل المثال رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030، والرؤية البيئية 2030، واستراتيجية إدارة حركة التنقل لإمارة أبوظبي، واستراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي الحركة، واستراتيجية دبي الصناعية 2030، واستراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد.. فضلا عن المشاريع والخطط والمبادرات الإماراتية الأخرى المتعلقة بالفضاء والتكنولوجيا والمعرفة والعالم الافتراضي والذكاء الاصطناعي.. وغير ذلك من جهود ومسارات تصب من ناحية في تأمين حياة أفضل مستقبلا، وتخدم من ناحية أخرى دولة الإمارات والعالم معا، أي الحياة الأفضل في المستقبل للجميع دون استثناء أو إقصاء.

وتتوازى هذه الجهود والخطط تحت مظلة كبيرة جامعة هي أجندة الأمم المتحدة 2030.

وبالتأكيد هي ليست مصادفة أن يقع الاختيار على 2023 كعامٍ للاستدامة في دولة الإمارات، فهي تستضيف خلاله المؤتمر الأممي للمناخ "كوب 28".. لتكتمل بذلك حلقات العمل الإماراتي العالمي والوطني من أجل مستقبل مستدام.. بعد أن ثبت بشكل قاطع ونهائي أن قضية "المناخ" لا تتعلق فقط بالبيئة، ولو بمعناها الواسع.. وإنما تعني الحياة بكل أشكالها وعناصرها.. والعمل لتصحيح واستدامة المناخ هو نموذج مثالي لمبدأ "اليوم للغد".

لذا من المؤكد أن "نسخة الإمارات" من مؤتمر المناخ ستكون مختلفة جذريا عن سابقاتها، وإن كانت ستُكمل ما بدأته المؤتمرات السابقة وتنطلق من نتائجها.

ولا شك أن الأشهر المتبقية على موعد عقد المؤتمر ستجسِّد عمليا التحضيرات والاستعدادات اللازمة، ليس فقط على المستوى اللوجستي والتنظيمي، وإنما -وهو الأهم- على المستوى العملي والتطبيقي، الذي يقدم للعالم نماذج واقعية وممارساتٍ فعلية ومبادرات مستقبلية قابلة للتنفيذ والتجربة والتطوير لمفهوم "الاستدامة" كمنظومة حياة وتوجه نحو المستقبل في مختلف المجالات.

ومما يؤكد إدراك الإمارات الواعي لضرورات المستقبل ومتطلبات الحاضر، أن شعار "اليوم للغد" يعني بوضوح ومباشرة أن 2023، كعام للاستدامة، لن ينتهي بعد اثني عشر شهرا مع النهاية الزمنية للعام.. وإنما هو نقلة نوعية في مسار تاريخي مستمر نحو المستقبل الأفضل.. ليتلخص في ذلك جوهر "الاستدامة" والتجسيد العملي والواقعي لفكرة بذل الجهد والقيام بالعمل "اليوم" لتحقيق المطلوب عند الوصول إلى "الغد".