د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
الدبلوماسية الجنوبية وأولويات المرحلة
سؤال يراودنا في كيفية وضع استراتيجية دبلوماسية لمحو الصورة المشوه ضد شعب الجنوب والتي رسمها الاحتلال اليمني خلال ثلاثة عقود ونيف، ويتولد من ذلك السؤال، سؤالين آخرين هما: كيفية الوصول إلى بناء علاقات دبلوماسية مع دول المحيط والاقليم والعالم؟ وكذلك كيف تستطيع الدبلوماسية الجنوبية الوصول إلى صانعي الرأي الإقليمي والدولي؟
وللإجابة على تلك الأسئلة يتوجب علينا أن نتتبع
تطوير علم الدبلوماسية العامة والاستفادة من تجارب جديدة نجحت في تحسين صورتها المشوهة لدى الآخر وكذلك تتبع نجاح بناء علاقتها الدبوماسية به.
قد يسأل سائلا لماذا تحسين الصورة المشوهة أولا؟
نقول: إن الصورة السلبية هي المانع الرئيس في عدم فهم قضيتك، ومن المعلوم أن الصور التي رسمها وما زال يرسمها الاحتلال اليمني في أذهان الشعوب العربية والإقليمية والدولية لفترة طويلة من الزمن، أثرت على مسار عدالة قضية شعبنا وكانت تلك الصورة من أهم المشكلات التي واجهت شعب الجنوب وقيادته منذ غزو صيف 1994، حتى اللحظة، فكيف يتمكن الدبلوماسي السياسي الجنوبي من صياغة سياسة خارجية جديدة، واستخدام وسائل وطرق وتقنيات حديثة لبناء صورة إيجابية لجنوبنا الجديد تتيح لنا بناء علاقات طويلة المدى مع شعبنا في الجنوب أولا و الشعوب العربية والإقليمية والدولية ثانيا؟ وكيف يمكن الاستفادة من الفرص والإمكانات المتاحة في تطوير علم الدبلوماسية العامة التي تخدم أهدافنا؟
لقد استطاع الجنوبيون منذ بداية تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في إيجاد وسائل دبلوماسية رسمية وغير رسمية لبناء الثقة مع عدد من البلدان العربية الدولية، حيث حددت هدفا لسياستها الخارجية يتمثل الدفاع المشترك ومكافحة الإرهاب وبناء علاقات التعاون في سبيل زيادة دورها في بناء العلاقات الدولية على المستوى العالمي، فاعتبرت أن مكانتها ودورها الفاعل في تلك الدول، يقتصر عند ذلك الدور فقط، بل يتوجب التوسع في بناء العلاقات رأسيا وأفقيا ولا ينبغي أن تقف عند طريق واحدة وهي العلاقات الرسمية مع الدول، بل إن الاستفادة من كل الفرص المتاحة في الساحة السياسية، وهي كالاتي:
١- صور الاحتلال اليمني أن الجنوب أرض خصبة للأفكار المتطرفة والإرهاب وقد كانت هذه الصورة المشوهة تمارس ضد شعبنا، وتلك الأفكار المشوهة ركز عليها الدبلوماسي الجنوبي واستخدم أكثر من وسيلة في نفيها عنه نحو مكافحة الإرهاب والحرب العسكرية والمواجهة المفتوحة مع تلك التنظيمات الارهابية وتطهيرها من معظم محافظات الجنوب، وكذلك نشر الوعي الإعلامي لخطورة هذه الظاهرة وقد بين شعب الجنوب أن أرضه لا يمكن أن تكون بؤرة للإرهاب، ومن هنا فأن هذه الاستراتيجية ليس كافية لوحدها، بل يجب أن تتبعها استراتيجيات تنموية وإعلامية وتوعوية وتحقيق التنمية في الجنوب عن طريق التعاون والمشاركة مع دول الداعمة لمكافحة الأفكار المتطرفة والإرهاب.
تلك الفكرة تعد من أهم الأسس التي يجب تبنى عليها إستراتيجيته لبناء صورة جديدة لدولته الجنوب القادمة، والعمل على استخدام وسائل وسمات جديدة لإزالة الصورة المشوهة ومن أهمها:
١- أن الجنوب الجديدة -في مرحلة ما بعد الحرب والتحرير سيحافظ على حقوق الإنسان، ويعمل لحمايتها.
٢- أن دولة الجنوب الجديد سوف تعمل على تشجيع التحول إلى الديمقراطية في بطريقة حضارية، وهذه سمة تثير إعجاب كل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية وتشتاق إلى المشاركة في إدارة شؤون بلادها واستثمار ثرواتها.
٣_ أنها ستعمل على تحقيق العدالة في العلاقات الدولية وفي تطبيق القانون الدولي، وقد ركزت السياسة الخارجية الدبلوماسي الجنوبي على تصوير الجهود التي يقوم بها لضمان العدالة في جنوب عربي يعمل لتحقيق السلام العالمي من خلال البحث عن وسائل جديدة وعادلة لحل الصراعات.
٤- الدفاع عن مصالح دول العربية الإقليمية والدولية.
هل يتمكّن الدبلوماسي الجنوبي من إعادة دولته إلى محيطه العربي ومقعده في مجلسي الامن والأمم المتحدة، وتحويلها إلى دولة فاعل في الشؤون العربية والإقليمية والعالمية، بعد أن حدد الأسس التي يقوم عليها خطاب الدولة كما وضحها في المثياق الوطني الجنوبي ؟
وللإجابة على هذا السؤال يتوجب أن نبين أن هناك طريقتان للوصول إلى صانعي القرار السياسي الإقليمي والدولي وهما :
الطريقة الأولى: هي العلاقات الدبلوماسية والسياسية الرسمية. والطريقة الثانية، هي الطريقة غير رسمية، و هي عدد من الوسائط المؤثرة على الرأي العام. كالإعلام والثقافة والأبحاث العلمية ومنظمات المجتمع المدني والجاليات الوطنية في دول المهجر .
والمتأمل في وضع قضيتنا الوطنية الجنوبية يرى أن الطريقة الأولى تكاد تكون بطيئة جدا والوصول إليها يحتاج جهد كبير، بينما الطريقة الثانية هي الاسهل بل هي المسرعة إلى الطريقة الأولى إذا أحسن استغلالها.
أولا: الإعلام
لقد اكتشف أن وسائل الإعلام يمكن أن تحقق أهدافه في بناء صورة دولة الجنوب الجديدة، وأنها أهم أدوات الدبلوماسية العامة، لذلك ينبغي لصانعي القرار السياسي الجنوبي لاسيما هيئة العلاقات الخارجية لاستخدام وسائل الإعلام لبث رسائل بشكل مستمر لشرح سياستها الخارجية، والاتصال بالجماهير، وتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة، وبناء العلاقات مع الشعوب العربية والإقليمية والدولية.
وبالرغم من أن الهئية الإعلامية الجنوبية حاولت إنشاء وسائل إعلامية جديدة تستهدف الوصول إلى الجماهير في الداخل، لكن الجهود لبناء علاقات مع وسائل الإعلام في بعض الدول العربية والإقليمية والدولية ما زالت معدومة تماما، لما لها من أهمية في بث الكثير من الرسائل التي تستهدف اظهار عدالة قضيتنا ، وتحسين صورتها الذهنية لدى المشاهد العربي والإقليمي والدولي اولا ومن ثم قيادات تلك الدول.
ثانيا : تطوير دور المنظمات المجتمع المدني الجنوبي غير الحكومية في استخدام الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الإعلامية، وهذا الدور كان دليلا على أن جنوبنا الجديد صنع تحولا نحو أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تعمل على حماية حقوق الإنسان، فتقوم وسائل الإعلام المختلفة بتغطية الأنشطة التي قامت بها المنظمات غير الحكومية، وبذلك ربطت الجنوب الجديد بين الدبلوماسية العامة واستخدام وسائل الإعلام في الترويج لصورتها الجديدة.
إن الصحفيين يقومون بدور دبلوماسي لا يقل أهمية عن دور الدبلوماسيين المحترفين.
ثالثاً: إقامة المنتديات الحوارية وتسهيل عملية الحوارات مع المسؤولين
وقبول الآخر أن توضح لنا الدور الذي يمكن أن تقوم به وزارات الخارجية في تسهيل إجراء الأحاديث الصحفية مع المسؤولين في الدولة، وإصدار البيانات التي توضح موقف الدولة من القضايا العالمية، لتتحول إلى أخبار في وسائل الإعلام على المستوى الدولي، وكذلك تشجّيع المنظمات الإقليمية والدولية في الجنوب على زيادة تدفق الأنباء والمعلومات عن الجنوب الجديد إلى العالم، والمساهمة في تغطية الأحداث التنموية والخدمية والثقافية والأمنية فيه.
خامسا : إقامة برامج المشاركة العامة
التي تعد من أهم الوسائل التي ينبغي على الجنوب الجديد التي تقوم على المشاركة العامة وتتحول إلى أخبار تنشرها وسائل الإعلام، وهذه البرامج تشكل نموذجا للديمقراطية، وتثير إعجاب الشعوب؛ حيث شكلت هذه البرامج إمكانيات لبناء صورة إيجابية تقوم على أنها تفتح المجال للمشاركة الجماهيرية في حوار مستمر لقضايا المجتمع، ولأن شعوب العالم الحرة تشتاق إلى الحوار كبديل للعنف، فقد بدأت تتطلع بإعجاب إلى النموذج الجديد الذي قدمه جنوبنا الجديد خلال شهر مايو المنصرم حيث يتم إجراء حوار ديمقراطي حر، وبذلك كسبت الجنوب الجديد عقول وقلوبهم، كثيرا من المتابعين في الداخل والخارج وشكل ذلك أساسا لبناء علاقات طويلة المدى معهم.
سادسا: المساق الثقافي لجنوبنا الجديد يتوجب على صانعي القرار السياسي في الجنوب أن يعمل على بناء الصورة الذهنية في السياق الثقافي لمحيطه العربي و الإقليمي، لذلك يتوجب تطوير سمات الصورة الذهنية على أسس تلبي احتياجات الشعوب العربية، وتتفق مع السياق الثقافي المحلي، وكان من أهم تجليات ذلك قيام الثورة الجنوبية السلمية التي انتهجها شعب الجنوب، ولو كانت تلك الهامش الديمقراطي حصل على حملة إعلامية كافية لتقديم قضية شعب الجنوب للشعوب الحرة بصورة اخلاقية ديمقراطية راقية.
سابعا: ممارسة الهامش الديمقراطي داخل مؤسسات المجلس الانتقالي كل اربع سنوات لاسيما في المجالس القيادية في المديريات والمحافظات والجمعية الوطنية الجنوبية في سبيل التأثير على أجندة الدول الديمقراطية لتبني قضايا مثل التعاون والمشاركة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك قدّمت نفسها كدولة تقوم بممارسة الديمقراطية والحرية.
ثامناً: تفعيل ودعم الجاليات الوطني. الجنوبية في دول المهجر والتي يقدر عددها بمليون ونصف مغترب في دول الشتات والاستفادة منها في نقل قضية شعبنا في الجنوب وحشد كثير من محبي السلام والحرية والعدالة في العالم، والجاليات الوطنية الجنوبية هم سفراء الجنوب الذي يتوجب عليهم اظهار عدالة قضية وإزالة الصورة المشوهة لوطنهم أمام دول العالم.
مما سبق ذكره هو ملخص لورقة بحثية قدمتها مؤسسة اليوم الثامن للاعلام والدراسات عدن..
نتمنى من صانعي القرار السياسي الجنوبي الأخذ بما يفيد قضية شعبنا في الجنوب.