د. عيد النعيمات يكتب لـ(اليوم الثامن):
عندما يكون الرد الإيراني للانتقام من إسرائيل وسيلة لتبرئتها من جرائمها
من المُسلم به في النزاعات السياسة وإدارة الصراعات بين الدول أن تكون الضربة الانتقامية للنظام الإيراني على ممن يسميهم بالصهاينة ردا على محوهم لقنصليته في دمشق ردا موجعا يستعيدون من خلاله شرف النظام المفقود من جراء ما تلقاه من ضربات متتالية وقاسية في عقر داره وفي الأوكار الموالية له في العراق وسوريا ولبنان وان تكون هذه الضربة غير مسبوقة وانتقامية شديدة تبقى في الذاكرة كما طبلوا لها وزمروا، والحقيقة أن كثيرا ممن يعرفون بشأن النظام وأيضا من كانت معرفتهم به ضحلة قد قلل من أهمية الضربة ولم يفاجأ أحدا بمستواها، ولم يتصور أحدا أن تكون مسرحية الرد هذه بهذا الإخراج الضعيف وبهذه الصورة المشينة التي استثمرتها إسرائيل وحازت بموجبها على استعطاف الغرب واكدت انحيازهم لها من جديد وتبرأتهم لها من جرائمها.
صحيح أننا نعرف نظام الملالي وكيف يفكر وكيف يسير نظامه السياسي؟ لكننا لم نكن نتوقع أبدا أن هكذا نظام يحتمل هكذا عار مُشين من أجل السلطة ولأجل الإمعان بتنفيذ مخططاته بالمنطقة، وقد ثبت منذ عام 2003 عندما قدم هذا النظام خدمة لقوات الاحتلال وتعاون معهم لهدم الدولة العراقية وحل مؤسساتها السيادية وعلى راسها الجيش والأمن والإعلام والقضاء والاقتصاد وضرب بنيتها التحتية ونشر الفتنة الطائفية فيها، أو ما جرى على الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية، وما حدث من أحداث مهينة مست بكرامة النظام الإيراني وشركائه في المنطقة أمرٌ يؤكد أن هذا النظام تجتاحه حالة الاضطراب النفسي جعلته لا يفرق بين الكرامة والإهانة وأصبحت الأمور عنده سواء، وجعلته أيضا أسدا هصورا ومتوحشا عندما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية أي (نفس الأهداف التي يريد الغرب والصهاينة هدمها)، لكنه سرعان ما يتحول إلى نمر من ورق أملس وحمل وديع عندما يتعلق الأمر بالصهاينة وحلفائهم. التجربة السياسية تقول أن هذا النظام لن يجرؤ على مهاجمة إسرائيل مهما نكلت به ولن يفعل شيئا وإن حدث ذلك سيكون من قبل الميليشيات العاملة بالوكالة ولن يكون بحجم الإهانة التي تعرض لها من قبل، وكل ما ستقوم به الميليشيات العاملة بالوكالة لن يرتقي إلى مستوى الرد بالمثل، ولن يكون سوى حالة هزيلة من العبث والخراب والدمار وإهلاك المنطقة لإطالة عمر بقائه.
والسؤال الأهم هنا هو هل سيدخل حزب الله حرباً مباشرة مع إسرائيل وماذا ينتظر المنطقة بعد؟ لسنوات طوال كانت سيادة الأراضي الواقعة تحت حكم نظام الملالي مسرحاً تعبث فيه طائرات وصواريخ سلطات الاحتلال الصهيوني نهارا جهارا وفي كل وقت وحين وكأنها على عهد مع النظام بأنه لن يقوم بالرد على انتهاكاتها التي لا نهاية لها. يقولون (شر البلية ما يُضحك) كم تحدث مسؤولون أمريكيون عن تنسيق مسبق بين قادة نظام الملالي والإدارة الأمريكية فيما يتعلق بكرامة الحق في الرد على التنكيل بقادة وقوات الملالي الذين كذبوا بعض المسؤولين الأمريكان عندما أفشوا حقيقة ذلك التنسيق ونتائج عمليات قصف الملالي للمواقع الامريكية في العراق على سبيل المثال، وقد كنا نتساءل لماذا لم تنتج أضرار تذكر عن تلك الضربات ولم يمت فيها أحدا سوى بعض الجرحى غير الأمريكيين ومعظم الصواريخ كانت تقع خارج القواعد وتنفجر قبل الوصول إليها وقد اُفتُضِح أمرها فيما بعد.
الجديد في الأمر ليس ما قيل من قبل بل جاءت خاتمة التهديد والوعيد الذي قام به الملالي ردا على محو قنصليتهم في دمشق بمثابة مكافأة للصهاينة وتشجيعا لهم على ممارسة المزيد من التنكيل بهم وبسيادة المقاومة؛ إذ لم نسمع يوماً ولم نر يوما عدوا يقول لعدوه سأتيك غدا بقوة حجمها وشكلها وتوقيتها وقدرتها، ومرت صواريخ ومسيرات نظام الملالي فأنارت سماء المناطق المأهولة بالسكان في الأردن وغيره من البلدان المجاورة، لكنها تلاشت وتبخرت عندما وصلت إلى مناطق سلطات الاحتلال وقد كانت الدفاعات الأمريكية والصهيونية على أهبة الاستعداد وفق ما وصلها من بيانات وإحداثيات..
وبات التندر والسخرية من نظام الملالي وما لحقه من عار مادة يتداولها الجميع وباتت فضيحته بجلاجل بعد التصريحات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة.. الجميل في الأمر تحذير الملالي لبعض الدول العربية من مغبة معاونة إسرائيل والدفاع عنها.. وآخر الطرائف أن الملالي لم يطلقوا صواريخ على إسرائيل خشية أن تصيب هذه الصواريخ المسجد الأقصى المبارك بالخطأ ! . د. عيد النعيمات/ نائب برلماني أردني