د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):
كسر حاجز الصمت
يعيش الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات فريدة من نوعها تتجاوز الصعوبات الجسدية أو العقلية، فدائما ما يواجهون عقبات نفسية واجتماعية قد تؤثر بشكل كبير على جودتهم المعيشية، والدعم النفسي يمثل منارة أمل في هذا السياق، حيث يساعد الأفراد على تجاوز هذه التحديات وتعزيز قدرتهم على العيش حياة كاملة وهادفة.
وتعد إعاقة السمع، أو ما يعرف عادةً بـ"الصمم"، هي حالة تؤثر على قدرة الشخص على سماع الأصوات بشكل كامل أو جزئي. وعندما يقترن الصمم بصعوبة في الكلام، يُطلق عليه أحيانًا مصطلح "الصم والبكم".
طيف التوحد هو مجموعة من الحالات التي تؤثر على نمو الدماغ وتؤدي إلى صعوبات في التواصل الاجتماعي والتفاعل، بالإضافة إلى ظهور أنماط سلوكية متكررة ومحدودة. كلمة "طيف" تدل على أن هذه الحالات تختلف في شدتها وخصائصها من شخص لآخر، فلا يوجد شخص مصاب بالتوحد يشبه تمامًا آخر.
كما يواجه أطفال طيف التوحد مجموعة من التحديات التي تؤثر على حياتهم اليومية وتفاعلهم مع العالم من حولهم. هذه التحديات تتفاوت في شدتها من طفل لآخر، صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي: يعاني الكثير من أطفال التوحد من صعوبة في فهم واستخدام اللغة سواء كانت لفظية أو غير لفظية (مثل لغة الجسد والإيماءات) وكذلك يجدون صعوبة في تكوين العلاقات الاجتماعية مما يؤدي الى عزلة اجتماعية بسبب صعوبة التواصل مع الآخرين.
اليوم في مؤسسة رموز عشت ساعات من المشاعر المختلطة بين الحزن والفرح بين القوة والضعف بين اليأس والأمل لا أعلم هل هذه المشاعر تخصني أم تخص الأطفال الذين قابلتهم اليوم أو تخص الاخصائيات في المؤسسة أم هي فعلا مشاعر تجربتي الأولى مع الأطفال ذوي الإعاقة من الصم والبكم وطيف التوحد وأطفال الشلل الدماغي . حيث شاركت اليوم ضمن حفل جائزة " أطفال يبتكرون المستقبل " فكرة وإعداد وتنظيم سفير السلام والإنسانية المستشار أحمد العداشي, الذي تم فيه تكريم الموهوبين من أطفال التوحد وعددهم خمسة أطفال كانوا متميزين في الالقاء والحفظ او ابتكار اشكال بواسطة استخدام مادة الصلصال وغير ذلك من المواهب شارك في الحفل عدد ( 60 ) طفلاً وتم ذلك بحضور عدد من المشرفين والإداريين بدعم وتنظيم مؤسسة سواعد الخير الإنسانية، ومؤسسة ألف ياء إنسان وقافلة الأيادي البيضاء، بالشراكة والتعاون مع مؤسسة رموز التنموية، في مديرية المنصورة بعدن.
اهتم منظمو الفعالية بتقديم جلسة دعم نفسي للأطفال بمناسبة العودة للدراسة وكما نعلم يحتاج الأشخاص ذوو الاعاقة إلى دعم نفسي اجتماعي لمساعدتهم على التغلب على التحديات التي يواجهونها. حيث تهتم مؤسسة رموز التنموية بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة وهي واحدة من المؤسسات المتواجدة في عدن وتقدم خدمات مثل العلاج السلوكي الذي ساعد على تعديل السلوكيات غير المرغوب فيها وتعزيز السلوكيات الإيجابية. العلاج باللعب حيث يستخدم اللعب كأداة لتطوير المهارات الاجتماعية والتواصلية. كذلك العلاج بالتواصل البديل أو التكميلي يستخدم طرقًا بديلة للتواصل، مثل الصور أو الأجهزة الإلكترونية. وأيضا العلاج بالعمل الذي يساعد على تطوير مهارات الحياة اليومية. ولغة الاشارة لفئة الصم والبكم.
في مشاركتي اليوم حاولت جاهدة تقديم جلسة دعم نفسي مختلفة لغرض تحسين الصحة النفسية مثل تقليل الشعور بالاكتئاب والقلق وتحسين المزاج العام. ركزت في الجلسة على تعزيز الثقة بالنفس وتعزيز الشعور بالقيمة. من الانشطة التي قمت بها جلسة رسم مع تقديم اسئلة حول من انا وماذا اعمل في الحياة وكيف استخدم حواسي الخمس وكذلك تمرين انا هنا الذي يعزز الشعور بالوجود في هذه الحياة حيث يتخيل الاطفال انهم يخرجون من البيضة ويشعرون بالعالم من حولهم وعن اهميتهم لدى اسرهم ولدى المجتمع وكيف ينظرون الى ذواتهم من خلال كلمات ايجابية تم تكراراها في التمرين من قبل فئة طيف التوحد وبالإشارة من قبل فئة الصم والبكم حيث لا حظت استجابة عالية من الاطفال وتفاعلهم منحني انا الشعور بالحب والحماس لهذه الفئة الجميلة ولوحظ تغييرات إيجابية في سلوكهم و حالتهم النفسية كما قدم مجموعة من الاطفال اغنية الالوان المعبرة حيث ارتدى خمسة اطفال خمسة ملابس بخمس الوان وشاركوا بكل حب وحماس وحصلوا على تصفيق عالي من نظراءهم المشاركين في هذا الحفل الرائع وكانت هذه الفقرة فقرة الأغنية حماسية جدا.
لا أخفي عليكم أنني واجهت بعض التحديات في بداية هذه التجربة، حيث كنت أشعر بالقلق من أن يشعر الأطفال بالملل أو قد لا يتمكنوا من المشاركة الفعالة في الأنشطة. ولكن بفضل دعم الأخصائيات اللاتي يتميزن بالصبر والفهم العميق لاحتياجات الأطفال، تمكنا من تجاوز هذه الصعوبات وتنفيذ الأنشطة بنجاح وبحماس كبير من قبل الأطفال.
من المعروف أن الأطفال الصم والبكم يواجهون صعوبة في فهم العواطف والمعاني غير اللفظية، مما يؤثر بشكل كبير على تفاعلاتهم الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك، لاحظت أن التدريب والتأهيل اللذين يتلقاه هؤلاء الأطفال في هذه المؤسسة قد مكنهم من التعبير عن مشاعرهم بطرق مختلفة، مما يقلل من احتمالية اللجوء إلى سلوكيات عدوانية أو انطوائية.
إن النجاح الذي حققناه في هذه التجربة يعكس جودة الخدمات المقدمة للأطفال في هذه المؤسسة، رغم التحديات التي تواجهها بسبب نقص الموارد.
إن مجتمعنا اليوم في حاجة ماسة إلى أن يكون أكثر شمولية وتقبلاً للجميع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقات. علينا جميعًا أن نسعى جاهدين لكسر الحواجز ونزع العقبات التي تحول دون اندماجهم في المجتمع. من خلال التوعية والتغيير في المواقف، يمكننا بناء عالم أكثر عدلاً ومساواة للجميع.
في ختام هذه التجربة، توصلت إلى قناعة راسخة بأن الدعم النفسي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل مجتمعاتنا. من خلال تهيئة بيئة محفزة ومناسبة، يمكننا تمكين هؤلاء الأفراد من تحقيق أقصى إمكاناتهم في مختلف مجالات الحياة، كالتعليم والعمل والمشاركة المجتمعية. إنني أدعو جميع المهنيين والمعنيين إلى العمل يداً بيد لتوفير خدمات دعم نفسي متخصصة لهذه الفئة، وتنظيم حملات توعية مجتمعية شاملة لتقبل الاختلاف واحترام حقوق جميع أفراد المجتمع، وذلك من خلال توفير التدريب اللازم للمهنيين، وتطوير البرامج المخصصة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات.