د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):
في قلب العاصفة: مشاعر الزوجة الأولى تجاه الزواج الثاني
تعتبر قضية الزواج الثاني من القضايا الشائكة والمثيرة للجدل في المجتمعات العربية والإسلامية. غالبًا ما يرتبط هذا النوع من الزواج بمشاعر مختلطة لدى الزوجة الأولى، أبرزها الغضب والحزن. في هذا المقال، مستوحاة من تجارب واقعية، سنتناول الآثار النفسية والاجتماعية التي قد تترتب على الزواج الثاني على الزوجة الأولى.
وهنا سنستعرض بعض النصائح التي قد تساعدها في التعامل مع هذه الوضعية بفعالية." أثناء زيارتي لتقديم العزاء، لاحظت أمرًا غريبًا في غرفة الاستقبال. فبدلًا من أن أجد الزوجة تبكي بحرقة، وجدت نساء أخريات يذرفن الدموع ويبدين الحزن. ولحظة، تساءلت عن سبب هذا التباين في ردود الفعل، فهل كانت الزوجة قد تجاوزت مرحلة الحزن الشديد أم أن هناك أسبابًا أخرى وراء ذلك؟
وبعد جلوسي، حاولت أن أستشعر جو الحفل وأجد الفرصة المناسبة للمشاركة في الحديث. بدأت أفكر كباحثة اجتماعية ومرشدة أسَرية، فحاولت فتح حوار هادئ حول الموضوع. قلت: 'لا شك أن موضوع الزواج الثاني أصبح أمرًا شائعًا في مجتمعنا، وقد يكون هناك العديد من الأسباب التي تدفع الرجل لاتخاذ هذا القرار.' فور أن نطقت بهذه الكلمات، بدأت ردود الأفعال تتوالى، وارتفعت الأصوات في نقاش حاد. استعرضت النساء أسبابًا عديدة لتبرير الزواج الثاني، مثل العقم أو المرض المزمن للزوجة الأولى، أو تقدمها في العمر وعجزها عن القيام بواجباتها المنزلية. كما استشهدت إحداهن بمثل شعبي، مما أثار المزيد من الضحك والاستهجان. بدا واضحًا أن هذا الموضوع يحمل الكثير من المشاعر المتضاربة والمعقدة لدى الحاضرات."
قالت إحداهن: 'مثنى وثلاث ويرك الرجال بقية الآية الكريمة فان لم تعدلوا فواحدة'. ولماذا يسمح لزوجي بالزواج الثاني؟ أنا لم أقصر معه يومًا.' شاركت أخرى الحوار، متباهية بعلاقتها القوية بزوجها الراحل، وكيف كان وفياً ومحباً لها. ومع ذلك، علقت قائلة: 'الأمر يعود على الرجل نفسه. إذا كان يخاف الله، فلن يظلم زوجته.'
سألتُ: 'هل يعني الزواج من امرأة ثانية أن الرجل لا يخاف الله؟' فجاء الرد حاسمًا: 'نعم، ولا أقبل بمثل هذا الظلم أبدًا.' سحبت انتباهي امرأة كانت تبكي بهدوء. سألتها: 'هل تزوج زوجك من أخرى؟' أجابت بصوت خافت: 'هجرني بلا سبب، ولم أطلب الطلاق حرصًا على أولادي.'
أثناء الحوار، تذكرنا جميعًا قصصًا مشابهة، وشاركنا تجاربنا وآراءنا. كانت هناك امرأة قوية الشخصية، قالت بحزم: 'الحمد لله أن زوجي توفي قبل أن يجرحني.' بكائها العميق كشف عن سنوات من الألم والخيبة.
حاولنا تهدئتها، ولكن الأمر كان صعبًا. شعرت أنني في ورطة، فانا لست في جلسة دعم نفسي. حاولت احترام الموقف، لكنني فكرت في كتابة مقال عن هذا الموضوع. سألت الحاضرات: 'هل أسمح لكم بكتابة مقال عن تجاربكم؟' فرحبن بالفكرة."
سألتها: 'كيف شعرتِ عندما علمتِ بزواج زوجك؟' أجابت بصوت خافت: 'لم يخبرني، بل علمت من إحدى بناتي. شعرت وكأن العالم قد انقلب رأسًا على عقب. لم أستطع تصديق الأمر، وبدأت أفكر في كل الذكريات الجميلة التي جمعتنا. شعرت بالخيانة والألم، وتساءلت: "أين أخطأت؟ ما الذي فعلته حتى يستحق مني هذا؟"
بعد عدة أشهر، بدأت أخرج من حالة الصدمة، ولكن شعور الخوف والقلق لم يتركني. كنت أتجنب النظر إليه، وأشعر بالمرارة في كل مرة أراه فيها. سألته مرة: "لماذا فعلت بي هذا؟" لم يعطني جوابًا شافياً.
سألتها: 'ما هي النصيحة التي تقدمينها للنساء اللاتي يمررن بنفس التجربة؟' قالت: 'أعلم أن الأمر صعب، ولكن الصبر هو الحل. نصحتني بعض صديقاتي بالطلاق، ولكنني رفضت. هذا الرجل هو أب لأولادي، وأنا أحبه مهما فعل. قررت أن أركز على نفسي وعلى أولادي، وأن أسامح نفسي على ما حدث. تعلمت أن الحياة تستمر، وأن السعادة الحقيقية تأتي من الداخل.'
من هذه القصة، تتضح العديد من الآثار النفسية والاجتماعية التي تواجهها الزوجة الأولى في حال زواج زوجها. تشعر الزوجة بالخيانة والغدر، وتنتابها مشاعر الوحدة والعزلة. تؤثر هذه التجربة بشكل كبير على ثقتها بنفسها وبشريك حياتها، وتثير قلقها بشأن مستقبل الأسرة والأولاد.
يزيد الأمر تعقيدًا مع ظهور المنافسة على حب الأب بين الزوجة والأم، مما قد يؤدي إلى شعور الزوجة الأولى بالغيرة والحسد. قد يستمتع بعض الأبناء بالوضع الجديد، مما يزيد من معاناة الأم. كل هذه العوامل مجتمعة تساهم في صعوبة تكيف الزوجة مع الوضع الجديد، وقد تؤدي إلى ظهور أعراض جسدية ونفسية.
والآن، عزيزتي الزوجة الأولى، دعيني أشاركك بعض النصائح التي قد تساعدك على تجاوز هذه المحنة. أولًا، احرصي على بناء شبكة دعم قوية من العائلة والأصدقاء، فالتحدث معهم ومشاركة مشاعرك سيساعدك كثيرًا. ثانيًا، لا تترددي في تطوير ذاتك واكتساب مهارات جديدة، فهذا سيعزز ثقتك بنفسك ويساعدك على الشعور بالاستقلالية.
تلعب الثقافة دورًا كبيرًا في تشكيل نظرتنا إلى الزواج الثاني. ففي بعض المجتمعات، يُنظر إلى الزوجة الثانية على أنها تهديد للأسرة، بينما في مجتمعات أخرى يُقبل على هذا الزواج كأمر طبيعي. ولكن مهما كانت الثقافة السائدة، يجب ألا ننسى أن كل حالة فريدة من نوعها.
وتروي لنا إحدى الحاضرات قصة نجاح في الزواج الثاني، حيث تزوج جدها من امرأة أخرى، ولكن بفضل حكمة وحب الزوجتين، استطاعت الأسرة أن تتجاوز هذه المحنة والعيش بسلام. هذه القصة تذكرنا بأن الزواج الثاني لا يعني بالضرورة نهاية العلاقة الزوجية الأولى، وأن الحب والتسامح يمكن أن يبنيان أسرة سعيدة.
عزيزتي، تذكري أن قرار زوجك بالزواج من أخرى لا يعكس قيمتك كإنسانة أو كزوجة. قد يكون هناك أسباب شخصية دفعته لاتخاذ هذا القرار، ولكن هذا لا يعني أنك لستِ مهمة بالنسبة له. حافظي على كرامتك، واهتمي بنفسك وأسرتك، واعلمي أن السعادة الحقيقية تأتي من الداخل."