سؤال اللحظة في المشهد اليمني
جاء في الخبر: "إيران تشكر الحكومة السعودية على حسن تنظيم موسم الحج، وفي طي الخبر مطالبة بفتح باب حوار بين البلدين"
قبلها بأيام قال الخبر: " المملكة العربية السعودية تبعث بوفد لزيارة إيران"
المشهد المحتدم يؤكد أن ثلاث دول كبرى تتقاسم النفوذ والصراع في المنطقة: إيران، تركيا، السعودية. (هناك بالطبع اسرائيل، مشهد فريد، كامل بذاته، قوة ونفوذ يفوقان جميع من سبق ذكرهم، ولكن ذلك شأن في غير سياق الطرح الآنف)
ماذا بشأن اليمن؟ وعلى الأخص ماذا بشأن الجنوب كقضية والجنوبيين كشعب طامح له مطالب بفك ارتباطه من الشمال وباستقلاله في دولة ذات سيادة؟
من أجل عدم القفز على الحقائق وفي وقت سابق على 2015 لم يكن الجنوبيون الفاعلون والقائمون على القضية الجنوبية كقضية سيادية يضغنون للحوثيين عداوة، بل بالأحرى كانوا يجدون قاسما مشتركا من المظلومية وجور نظام صنعاء يجمعهما، أو هكذا كان الظن قبل أن يكتشفوا أن لا مظلومية حقيقية ومبدئية لدى الحوثيين بعد تحالفهم مع من يفترض أنه عدوهم "المنخلع" صالح حسب توصيفهم له مؤخرا!
في مطلع 2015 زحف الحوثيون بمليشياتهم وجيوش حليفهم المستجد "عدوهم القديم" كما زعموا ذات يوم! شانين حربهم الاجرامية على الجنوب وشعبه، مقتحمين مدينة عدن. أنه شبيه التحالف الاجرامي عام 1994 الذي قام آنذاك بين حزب الاصلاح والرئيس صالح الرئيس المفدى في نظرهم يومها، مخلوعهم الآن، صالح (عراب حزب الاصلاح) وصاحب قرار نشأته حسب مذكرات رئيسهم وشيخهم القبلي عبدالله بن حسين الأحمر. ولقد تحالفا لشن الحرب الشعواء كالتي يشنونها الآن ضد الجنوب وشعبه. الاطراف ذاتها ليس هناك من اختلاف سوى انزياح أحدها (حزب الاصلاح) إلى ضفة الخصم بإعلان انضمامه الى معسكر "الشرعية" في مشهد الاحتراب الحالي. انزياح محمول على المفارقة! إن لم يكن في خفاياه محمول على التكتيك وتوزيع الأدوار!
فبعد حربين همجيتين ضد الجنوب لا سند لها ولا مبرر سوى الغطرسة والتجبر والعنصرية فأن المتابع يكتشف بلا شك تماهي وجوه الشمال السياسية: حزبيا، وميليشاويا، وقبليا (لابد هنا من التأكيد على أن المسألة برمتها مسألة مصالح ونفوذ سياسي وليست ضغائن شعبية، "فالشعبين" كما يحب الجنوبيون أن يصفوا، في الشمال والجنوب، يتقاسمان القهر والظلم وتمارس الأطراف ذاتها إجرامها ضدهما).
وحينما أندفع الجنوبيين في 2015 إلى ميادين الدفاع عن النفس ببسالة مشهودة، لم يكن الأمر بالنسبة اليهم مذهبي ولا طائفي، ومن التزوير الساذج محاولة تحوير أسباب الحرب الحقيقية، أو إضفاء طابع ديني مذهبي على اندفاع المقاومة الجنوبية لخوضها، وهي صفة ضعيفة الحضور فيما يتعلق بموقف الجنوبيين في الحرب. فالجنوب لم يعانِ أي خلاف مذهبي، وسنته الشافعية الغالبة عرف عنهم وفي صميم عاداتهم الاعتقادية والايمانية تكريم آل البيت وإشاعة محبتهم وإن كان دون "غلو شيعي"، ومنحاهم المذهبي الوسطي يعد أهم مكونات الثقافة والتاريخ والذاكرة الجنوبية ومشهديتها الاجتماعية المنسجمة. وعدن تحديدا كمدينة أم للجنوب، تزخر بطوائف الشيعة، "الخوجة" الاثني عشرية والبهرة والاسماعيلية وغيرهم، يتجاورون فضاء المدينة في تعايش وترابط وسلم اجتماعي لم يشهد تفريقا أو احتداما بين مذهب ومذهب ، بل ولا حتى بين ديانة واخرى.
الخلاصة: الحرب الدائرة ليست سنية - شيعية، والدول الكبرى في المنطقة المتحكمة في مسار الأحداث عابرة للمعتقد، والتمترس خلف شعار المذهب هو نهج تسيسي للسذاجة السيكولوجية الشعبية ليس أكثر. وما من مصلحة للجنوبيين، خصوصا القائمين على مطلب القضية الجنوبية والمتصدرين شعارها، التحوير أو المغالطة في مرتكز مهم كهذا. جوهر المسألة حرب نفوذ ومصالح ليس بخفي، وحينما تنضج ملفات كل طرف من الاطراف المتحكمة في أوراق هذه الحرب، ستفتح ملفات التفاهمات وتوزيع خارطة النفوذ والمصالح في ما بينهم. وعندما يحدث ذلك - وفقا لوتائر الاحداث سوف يحدث لا محالة - حينها لن يظل في قلب المشهد إلا من صدر نفسه شريكا حقيقيا أصيلا وضروريا منذ البدء، ولن يصمد إلا من فقه قراءة خربشات المخطط الذي يخطه كل طرف بما يتناسب ومصالحه، وعلى من فاته تحديد موقعه، تدارك أمره وأعداد نفسه اللحظة، حتى لا يفوته وضع موقعه على الخريطة التي يدبر مخططها جنبا إلى جنب كطرف أصيل وليس طارئا ومستخدما فقط، كما تم التعامل معه سابقا ومازال.
أما من أتبع وهمه وسدر في معيته، لن يجد نفسه إلا منوما على رصيف التهميش!!