رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
هل تقود الانقسامات الداخلية إلى تراجع نفوذ خامنئي في إيران؟
صراعات تشهدها إيران اليوم صراعاً داخلياً غير مسبوق، تتكشف أبعاده بشكل متزايد على خلفية التوترات الإقليمية والضغوط الدولية المتصاعدة. فقد تحولت ساحات الداخل إلى مسرح لاحتدام بين أجنحة النظام المتصارعة على السلطة والنفوذ، مما يعكس الهشاشة التي تعتري بنية الحكم هناك. تأتي هذه الانقسامات في وقت حساس، إذ تصاعدت المخاطر الأمنية الخارجية مؤخرًا مع الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية داخل إيران، لكن ردود الفعل في الداخل الإيراني كشفت أن تداعيات تلك الهجمات تمتد إلى أبعد من البنية التحتية، لتبرز عمق التنازع والانقسامات التي تهدد استقرار النظام.
هل يكشف الخطاب الإعلامي “حالة الحرب” غير المعلنة؟
برزت في الأشهر الأخيرة تصريحات حادة من مسؤولين إيرانيين مقربين من المرشد الأعلى خامنئي، تدعو إلى مواجهة كل من يحاول اتخاذ موقف محايد تجاه التهديدات الخارجية، مع الإشارة إلى أن البلاد تعيش “حالة حرب”. هذه التصريحات تشير إلى محاولات تعبئة تهدف لتوحيد الجبهة الداخلية في مواجهة التهديدات، لكنها أيضًا تعكس خوف النظام من تراجع ولاء مؤيديه في هذا الوقت الحرج، وكأن هذه “الحالة الطارئة” أصبحت السبيل الوحيد لتماسك النظام المنهك.
انقسامٌ داخلي حول سياسات النظام المتشددة ومن المؤشرات البارزة على هذه الانقسامات أن بعض القادة الإيرانيين يتجهون نحو اتخاذ مواقف أكثر انفتاحاً، حيث يدعو بعضهم إلى القبول بحلول سياسية أكثر مرونة، مثل “حل الدولتين” بخصوص القضية الفلسطينية، وهو ما أثار استياء المسؤولين المتشددين. يمثل هذا الانقسام تباينًا عميقًا في الرؤية، حيث يرى البعض أن النظام بحاجة إلى مرونة أكبر، بينما يصر آخرون على التشدد. هذا الخلاف يسلط الضوء على عدم قدرة النظام على تبني موقف موحد، ما يجعل التوترات تتفاقم داخلياً وتكشف عن ضعف تماسك القيادة.
انهيار الثقة داخل الحرس الثوري وفي تطور آخر يعكس أزمة الثقة بين القيادات العسكرية الإيرانية، برزت هجمات إعلامية على قادة الحرس الثوري الذين يُعتبرون العمود الفقري للنظام. توجيه اتهامات مثل “التردد والضعف” إلى بعض القيادات العسكرية يعكس شعوراً بالإحباط، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع معنويات القوات العسكرية والأمنية، ويُفقد النظام دعامة رئيسية في مواجهة التهديدات المتزايدة.
الصراع الديني في قلب التوترات رئيس الحوزات العلمية، الملا أعرافي، أطلق موقفًا صارماً ينتقد فيه قبول الحلول السلمية، مشيراً إلى أن هذا التوجه “خطأ استراتيجي” يعكس جهلاً بتاريخ الصراعات في المنطقة. يرى النظام الإيراني في مواقف كهذه وسيلة للحفاظ على قبضته الدينية والسياسية على الشعب، ويخشى أن يؤدي أي تراجع عن المواقف المتشددة إلى فقدان السيطرة على هذا المشهد المعقد. استخدام أعرافي لمصطلحات مثل “منعطف تاريخي” يعكس إدراكاً من داخل النظام بأن الأوضاع بلغت حافة خطيرة، تتطلب استعدادات كبرى لمواجهة تحديات قد تهدد بقاءهم.
هل يتراجع نفوذ خامنئي؟تُظهر هذه الانقسامات والصراعات علامات على تراجع نفوذ المرشد الأعلى خامنئي، إذ يبدو عاجزاً عن توحيد الصف الداخلي أو فرض السيطرة على القيادات العسكرية والسياسية المتصارعة. استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى فقدان خامنئي تدريجياً لدعمه داخل أركان النظام، مما يضعف سلطته في وقت تعيش فيه إيران ضغوطاً إقليمية ودولية غير مسبوقة.
استراتيجية تحويل الأنظار إلى الخارج حاول النظام الإيراني توجيه الأنظار إلى الخارج من خلال تأجيج الصراعات الإقليمية، لكن هذه الاستراتيجية أصبحت مؤقتة وغير فعّالة على المدى الطويل، خاصةً مع تزايد الاستياء الشعبي من الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية. لم تعد “التحديات الخارجية” كافية لتقليص حجم السخط الداخلي، مما يعني أن النظام يواجه صعوبة في الحفاظ على دعم الشعب له من خلال التهديدات الخارجية فقط.
النظام الإيراني في مفترق الطرق في الختام، يبدو أن إيران أصبحت محاصرة على عدة جبهات، داخلياً وخارجياً، إذ تعكس الانقسامات والصراعات السياسية انكماش سلطة النظام، وعدم قدرته على التماسك تحت الضغوط المتزايدة. هذه الانقسامات تفتح الباب على سيناريوهات عديدة، من بينها تصاعد الاحتجاجات أو حدوث تغييرات سياسية جذرية قد تُفضي إلى إعادة تشكيل موازين القوى داخل النظام.