د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران تحت قيادة بزشكيان: كيف تزايدت الإعدامات في أول 100 يوم من حكمه؟

  في سابقة خطيرة من نوعها في إيران يعدم مسعود بزشكيان الطبيب الإصلاحي الذي عينه خامنئي في منصب رئاسة الجمهورية 460 مواطناً إيرانياً في المائة يومٍ الأولى من حكمه، وهو ما لم يفعله أسلافه المحافظين على الرغم من اتسام الجميع بـ سِمة صناع الموت في أولى فترات تربعهم على كرسي الرئاسة، حيث وقعت أحكام القتل الحكومي المتصاعدة تحت مسمى الإعدام في مقدمة إنجازات الجميع، واليوم يأتي الطبيب المحافظ أكثر الجميع إنجازا في صناعة الموت.

لم تبدو أية إنجازات أو ملامح إيجابية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في إيران، والشيء الوحيد الذي يتمسك بإنجازه على الدوام هو ملف الإعدامات وسجل النظام الأسود بهذا الخصوص.

في مشهدٍ مفاجئ وغير متوقع، وفي خضم التحولات السياسية المعقدة التي تمر بها إيران، ظهر الرئيس مسعود بزشكيان الذي سوقوه على أنه أحد أبرز رموز ما يسمى بـ التيار الإصلاحي في موقف يختلف تمامًا عن الصورة التي كان يروج لها ولي الفقيه وأنصاره؛ الرئيس الذي كان يُنتظر أنه سيعمل على إحداث إصلاحات اجتماعية وتحسين العلاقات مع الغرب، فاجأ الجميع بسرعة بتوجه قمعي يفيض بالبطش والعدوانية، وفي واحدة من أبرز المفاجآت أصدر بزشكيان أوامر بإعدام ما لا يقل عن 460 إيرانيًا في أول 100 يوم من توليه رئاسة جمهورية الملالي مما أثار صدمة هائلة في الأوساط المحلية والدولية على حد سواء.

الرئيس الإصلاحي أم الجلاد الجديد!

لطالما كان معروفًا عن إبراهيم رئيسي ارتباطه بالجناح المتشدد في النظام الإيراني، لكن وصول بزشكيان إلى سدة الحكم، مصحوبًا بوعود بالإصلاح وتغييرات سياسية تلويحاً بإمكانية تحقيق نوع من التوازن في السياسة الداخلية لاحتواء الرفض الشعبي للنظام؛ غير أن هذه التوقعات المعلقة على تلك الوعد سرعان ما تبخرت مع القرارات القمعية التي اتخذها بزشكيان منذ بداية عهده، وأصبحت الشعارات الانتخابية المتعلقة بتحسن وضع حقوق الإنسان هواءا في شبك شأنها شأن القضايا الأخرى المتعلقة بالاقتصاد والبطالة والخدمات، وسرعان ما يكتشف الشعب الإيراني أن بزشكيان قد بدأ فترة رئاسته بحملة قمعية أشد وأبشع من تلك التي شهدها عهد سابقيه من رؤساء النظام سواء من الجناح المحافظ أو الإصلاحي.

الإعدامات في عهد بزشكيان: قمع بلا حدود

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه شهدت إيران تصاعدًا غير مسبوق في حالات الإعدام، حيث بلغ عددها 460 حالة، وهو رقم يعكس حجم القمع الوحشي الذي يمارسه النظام ضد معارضيه، وقد طالت هذه الإعدامات مختلف شرائح الشعب الإيراني بما في ذلك النشطاء السياسيين، والأقليات العرقية والدينية، بل وحتى الشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، وقد تمت هذه الإعدامات في محاكمات سريعة تفتقر إلى أبسط ضمانات العدالة، إذ لم يُمنح المتهمون أي فرصة للدفاع عن أنفسهم  وهو ما يعكس تدهورًا كبيرًا في سيادة القانون وحقوق الإنسان في البلاد.

التبريرات الرسمية: "حفظ الأمن القومي"

في محاولة لتبرير هذه الحملة القمعية، أصدرت الحكومة الإيرانية تصريحات تدعي فيها أن الإعدامات تأتي في إطار "حفظ الأمن القومي" و"مكافحة الإرهاب الداخلي" و"محاربة الانفلات الأمني"، ومع ذلك لا تعد هذه التبريرات سوى استمرار لسياسات النظام القمعية الرامية إلى إسكات كل صوت معارض، والأمر الذي يبعث على القلق هو أن هذه الإعدامات لم تقتصر على الجرائم السياسية فحسب بل شملت أيضًا ما يُسمى "الجرائم الجنائية العادية" مما يكشف عن تشدد غير مبرر في تطبيق العدالة بحق أفراد لا يشكلون أي تهديد حقيقي للنظام، بل هم ضحايا لسياسات القمع المستمرة، والفشل السياسي والاقتصادي والفساد العام. 

السؤال الذي يطرح نفسه

في خضم هذه التطورات المتسارعة، يطرح العديد من المراقبين تساؤلات ملحة: هل سيستمر بزشكيان في نهج القمع والتشدد تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية، وهل سيستطيع التنصل عن تنفيذ سياسات الولي الفقيه وحرسه؟ وماذا سيكون رد فعل الشعب الإيراني في ظل هذه الحملة القمعية المتصاعدة؟ هل ستتصاعد وتتأجج ثورة الشعب الإيراني من أجل إحداث التغيير الديمقراطي الذي يتبناه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وفق برنامج السيدة مريم رجوي برنامج المواد العشر؟ هذه الأسئلة وغيرها التي تُحيط بمستقبل إيران والمنطقة بعد أن تأكد الشعب الإيراني والعالم من عدم إمكانية الإصلاح والعدالة في ظل النظام الحالي وأنه لا بديل عن مشروع المقاومة الإيرانية.

بنهجه الدموي يضع نظام الملالي نفسه أمام مطحنة الشعب الإيراني ووحدات المقامة وبذلك يرسم نهايته بيده.

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي