سلام محمد العبودي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تضحيات فادحة وجريمة غادرة

أسرة واحدة صنعت تأريخاً للجهاد, فأصبحت خالدة لا يمكن تجاوزها, فقد أُسَسَت أفكارها, على أساس علمي رصين, وبنته بتضحيات لم يقدم غيرها, من الحركات السياسية الدينية نظيراً لها, إنها أسرة زعيم الأمة, السيد محسن الحكيم (قدس سره).

قال فخامة رئيس الجمهورية, في العام الماضي:" إن الشهداء حاضرون في ما بيننا, وفي ذاكرة الشعب ووجدانه، بينما القتلة والطغاة والمجرمون والإرهابيون, مصيرهم في نفايات التاريخ, وإن أعظم ما يمكن أن نقدمه, للشهداء الأبرار هو مواصلة العمل, من أجل عراقٍ يتمتعُ بالأمن والاستقرار, من أجل تعزيز تجربة البناء الديمقراطي.

لقد تمثل الجهاد في زمن, ضد أعتى طغاة زمنه صدام المجرم, وحزبه من الفاسقين, برجلٍ صنع تأريخاً واضح المعالم, وخلق وعياً أرعب ذلك البعبع المرعب, بخطاباتٍ لها أثرٌ لا فرق بينه, وبين الجهاد المسلح, فكانت الكلمة سلاحاً ماضياً, بتهديم أسطورة حزب البعث, الذي كان يدعي الديموقراطية, وتمثيل الوطنية والحفاظ على حقوق المواطن, بشعاراتٍ زائفة تغلف أعماله الإجرامية, الهادفة لاستعباد الشعب العراقي.

عاد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, إلى أرض العراق بعد هجرة, دامت 23 عاماً بنى خلالها, حركة سياسية أقضت مضجع الطغيان والزبانية, متمثلة بصدام وحزبه, حاملاً منهج بناء الدولة الحديثة, ومن خلال منبر الجمعة, بدأ وضعه أمام الجماهير, التي كانت تتوق لعودته, مؤيدين لكل ما طرحه, مرددين الأهزوجة الخالدة" وين الحاربك وينه صدام النذل وينه" يحدوهم الأمل بتطبيق ذلك البرنامج, على أرض الواقع, عبر حكومة ائتلافية, من قوى المعارضة العائدين للوطن.

كانت آخر خطبة للسيد محمد باقر الحكيم, يوم الجمعة الأول من رجب 1424هـ, الموافق 29/آب/2003, ليودع جده أمير المؤمنين عليه السلام, بعد عدة دقائق راحلاً عن الدنيا, بانفجارٍ كبير أعد له, من خلال عملية غادرة, قالت المصادر الأمنية حينها, أنها ألقت القبض على المنفذين, وعددهم أربعة عراقيين وسعوديين, اعترفوا على ثلاثة تمكنوا من الهروب, وقد حضروا قبل ثلاثة أيام, وكانوا بضيافة صديق لهم, ليس له عِلمٌ بنواياهم الخبيثة, كانت حصيلة الجريمة, أكثر من 80 شهيداً, من أتباع السيد شهيد المحراب, إضافة لأكثر من 200 شهيد من المواطنين.

يعزو المحللين للشأن السياسي حيها, أن أسباب تلك العملية الإجرامية, يكمن في الدور السياسي لشهيد المحراب, وتأثيره الواضح في إسقاط نظام الطاغية, وما قام به قدس سره الشريف, من خطب أوضحت ملامح الحكم, والتأسيس لدولة العراق الحديثة, ويشير بعض المهتمين بالشأن العراقي, إلى أن هناك فرضيات أخرى, تتمثل ببقايا حزب البعث, المعروف بإجرامه ضد هذه الأسرة المجاهدة, إضافة إلى الانقسام السياسي الداخلي, والتدخلات الإقليمية التي تمتد جذورها, لمن ساعد على إجهاض, الانتفاضة الشعبانية عام 1991م.

كان لعملية الاغتيال الآثم, تأثيرٌ كبير على الوحدة الوطنية في العراق؛ نظرًا لأن السيد الشهيد, كان يمثل أحد الوجوه المعتدلة, التي تسعى لتحقيق التوازن, بين مختلف الطوائف، فقد أدى اغتياله إلى تصاعد التوترات الطائفية؛ في الوقت نفسه، أدى ذلك لِتعزيز, رؤية بعض الساسة الشيعية شعوراُ بالتهديد, والتوجس من القوى السنية في البلاد، مما أسهم في تعميق الانقسامات, الطائفية في المرحلة التي تلت الحادث.

وهنا لا بد أن نَذكر, أن الاستقرار الأمني في العراق, لا يخدم القوى المضادة, الساعية للانقضاض على المناصب, قبل أن تتكون الدولة الحديثة, التي من ركائزها استباب الأمن, والعمل ضمن أسس الوحدة الوطنية, وبناء ما أقدم نظام تخريبه, جراء حروبه المتكررة, التي لم تجلب للعراق إلا الدمار, الاقتصادي والأمني والمقابر الجماعية, تلك الأعمال وغيرها, التي لم تنتهي تأثيراتها السلبية, على العراق وشعبه الصابر.

جاءت عملية الاغتيال, ليبدأ الأمل يتضاءل, بتحقيق ما كان يأمله السيد شهيد المحراب, بالشركاء من الساسة, لينحرف مشروع بناء الدولة, عن مساره الصحيح, فتسلل وسط الفوضى السياسية, التي انتابت البلاد, بعض الانتهازيين والوصوليين, الذين وصفوا العراق وثرواته بالكعكة, وانشغلوا بتقسيمها بدلاً من أن يعملون على تنميتها.

انقضت 21 على ذكرى الشهادة, والعراق يراوح في الخطوة الأولى, التي طرحها شهيد المحراب, من رؤيته المستقبلية لبناء العراق الجديد, التي ترسخ وتطور, قدرات الدولة وإمكاناتها, بما يخدم تطلعات الشعب.