سالم الكتبي يكتب:

في ذكرى 17 يناير: جريمة الحوثي التي هزت الضمير الإنساني

لم يكن خطر جماعة الحوثي الإرهابية وليد الهجمات الإجرامية ضد دولة الإمارات في السابع عشر من يناير عام 2022، فقد برز خطر هذه الجماعة الإرهابية منذ انقلابها على السلطة الشرعية في اليمن والسيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014، وإصدار إعلان دستوري أعلنوا فيه حل مجلس النواب الذي كان معطلا، وهو ما قوبل برفض شعبي يمني وخليجي وعربي ودولي، حتى قامت دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية بتلبية نداء الاستغاثة الذي أصدرته الحكومة الشرعية اليمنية، قامت بتنفيذ “عاصفة الحزم” في مارس عام 2015، في عملية حفظت لليمن عروبته في مواجهة حملة الهيمنة التي استهدفت السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية من جانب الانقلابيين الحوثيين، الذين تسببوا ومازالوا يتسببون في معاناة الشعب اليمني من أسوأ الظروف الإنسانية، بسبب عمليات التجويع ونهب الثروات والقمع والاعتقالات والتصفية الجسدية وتعطيل المؤسسات الخدمية، ما دفع التحالف إلى المبادرة بإطلاق عملية إعادة الأمل في أبريل 2015، وتضمنت مبادرات إنسانية وإغاثية لتخفيف معاناة الشعب اليمني، وخاصة في المدن التي عانت جراء حصار الحوثيين، وكذلك تقديم دعم مالي وإنساني ومساعدة الاقتصاد اليمني، والمساعدة في إعادة الإعمار.

ويشهد التاريخ على أن الدور الإنساني والإغاثي لدولة الإمارات في اليمن كان له عظيم الأثر في التخفيف من معاناة الشعب اليمني، حيث اضطلعت المؤسسات الخيرية والإنسانية والإغاثية الإماراتية بعمل تضامني ضخم في اليمن، وجاءت في مقدمة ذلك هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، إلى جانب مؤسسات زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، وسقيا الإمارات، وغيرها من مؤسسات وجمعيات الدولة الإنسانية، وتكفي هنا الإشارة إلى أن المساعدات الإماراتية المقدمة إلى الشعب اليمني منذ 2015 إلى يونيو 2019 قد بلغت 20.53 مليار درهم إماراتي (5.59 مليار دولار أميركي)، حيث استحوذت المساعدات الإنسانية على حوالي 34 في المئة من إجمالي المساعدات بقيمة قدرها 6.93 مليار درهم (1.89 مليار دولار)، بينما استحوذت المساعدات التنموية وإعادة التأهيل ومشاريع دعم إعادة الاستقرار على 66 في المئة بقيمة نحو 13.60 مليار درهم (3.70 مليار دولار أميركي) حيث صنفت التقارير الأممية دولة الإمارات الأولى عالميا على مدى سنوات عدة لجهة حجم المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب اليمني.

أحداث السابع عشر من يناير عام 2022 كانت بمنزلة تذكير للعالم بخطر الميليشيات وضرورة مواجهة الظاهرة البغيضة التي تتوسع وتتمدد وفقا لمصالح معينة تتنافى مع متطلبات الأمن والاستقرار العالمي

وقد لعبت دولة الإمارات دورا محوريا في إجهاض المشروع الحوثي في اليمن حيث نجح التحالف في استعادة معظم الأراضي اليمنية وإيقاف تقدم الحوثيين، فضلا عن تحقيق هدف بالغ الأهمية والحيوية للعالم أجمع وهو القضاء على تمركز تنظيمي القاعدة وداعش في بعض المناطق اليمنية حيث تصدت الإمارات تحت لواء التحالف العربي للخطر الإرهابي الذي كان يتخذ من اليمن مركزا له حتى قبل عام 2015، وقد تحققت هذه الإنجازات بالكثير من التضحيات الغالية لشهداء الإمارات الأبرار الذين سطّروا أروع قصص البطولة على الأراضي اليمنية، إيمانا منهم بمهمة الواجب الوطني ودفاعا عن المبادئ والقيم وتلبية استغاثة الشعب اليمني الشقيق.

وقد جاء الهجوم الذي شنته جماعة الحوثي بالمسيرات ضد دولة الإمارات في السابع عشر من يناير عام 2022، وأسفر عن حريق وانفجار في ثلاثة صهاريج وقود بمنطقة المصفح بالقرب من خزانات وقود شركة “أدنوك” بإمارة أبوظبي، واندلاع حريق بسيط في منطقة بناء داخل مطار أبوظبي الدولي ما تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص أجانب وإصابة ستة آخرين بجروح طفيفة ومتوسطة، فيما لم تقع أيّ حوادث في إمارة دبي كما زعم الحوثيون في بيانهم، ورغم محدودية هذا الهجوم فإنه قد ترك آثارا مهمة في نفوس الشعب الإماراتي كونه الأول من نوعه على أراضي الدولة منذ قيام دولة الاتحاد، فضلا عن أنه قوبل برفض دولي واسع النطاق ودعم ومساندة كبيرة للموقف الإماراتي في مواجهة تهديدات الحوثيين.

نجحت دولة الإمارات في إفشال الهجوم الحوثي الذي كان يستهدف زعزعة الثقة في أمن الإمارات واستقرارها، والتأثير سلبا في اقتصادها الوطني، حيث نجحت القيادة الإماراتية في احتواء آثار هذا الحدث بسرعة وفاعلية بل والاستفادة منه في حشد الدعم الدولي اللازم لموقفها في مواجهة خطر جماعة الحوثيين سواء عبر المواقف الفردية للدول الكبرى، أو عبر منصة مجلس الأمن الدولي، ما أسهم في تعزيز قوة الموقف الإماراتي وليزداد انسجاما ورسوخا مع قواعد القانون الدولي، بإضافة الدفاع عن النفس جنبا إلى جنب مع بقية الدوافع الأساسية الشرعية الداعمة لعمل التحالف العربي في اليمن.

ولا شك أن أحداث السابع عشر من يناير عام 2022 كانت بمنزلة تذكير للعالم أجمع بخطر الميليشيات وضرورة مواجهة هذه الظاهرة البغيضة التي تتوسع وتتمدد جغرافيّا بشكل ممنهج وفقا لأهداف ومصالح معينة تتنافى مع متطلبات الأمن والاستقرار العالمي، وقد بدا للجميع الآن أن الإمارات كانت على صواب في موقفها الثابت حين تمسكت ودعت مرارا إلى التصدي لخطر الميليشيات الحوثية ومنعها من توسيع دائرة الفوضى الإقليمية كما هو حاصل في المرحلة الراهنة. وعلى الصعيد الداخلي كانت هذه الأحداث بمنزلة اختبار مهم لمتانة وقوة الوشائج والروابط التي تجمع بين القيادة الرشيدة والمواطنين من ناحية وبين المواطنين وبعضهم البعض من ناحية ثانية، حيث تجلى الاصطفاف الوطني في أبهى صوره، وبدا المشهد الداخلي كملحمة وطنية رفضا للمساس بمقدرات ومكتسبات الوطن ودعما ومساندة لأيّ موقف تتخذه القيادة الرشيدة في الدفاع عن الوطن ومصالحه في مواجهة التهديدات الخارجية.