د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران صراعٌ بين مدرستين.. الإسلام الأصيل وسلطة تدعي تمثيل الإسلام

يرتكز الإسلام كدين سماوي على عقيدة التوحيد الخالص، ويحمل في طياته قيمًا ومبادئ سامية تدعو إلى العدل والمساواة والتسامح، ومع ذلك فإن التاريخ الإسلامي قد شهد في بعض مراحله ممارساتٍ وأفعال تتنافى مع هذه القيم، مما يطرح تساؤلات حول العلاقة بين صدق العقيدة وكذب الادعاء.. يدعو الإسلام إلى عبادة الله الواحد الأحد، ونبذ الشرك بكل أشكاله، وتمثل هذه العقيدة جوهر الإسلام، وهي أساس كل القيم والمبادئ الأخرى، ويحث الإسلام على العدل والإحسان والتسامح والتعايش السلمي. هذه القيم تمثل جزءًا لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، وهي موجهة لجميع البشر. إن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الرئيسيان للعقيدة الإسلامية، وهما يحملان في طياتهما تعاليم وقيمًا سامية تهدف إلى الخير والصلاح. 

الإسلام في إيران الملالي وسيلة السلطة وخطابها مجرداً من الحقائق بعيدا عن الإسلام المحمدي الحنيف.. وعند الحديث عن الإسلام في إيران يتجلى بوضوح الصراع بين مدرستين متناقضتين: مدرسة الهوية والقيم والثوابت.. مدرسة الإسلام المحمدي الحنيف التي يمثلها مجاهدو خلق، حيث يتجلى الإسلام في صورته التحررية قائمًا على الأخلاق الحميدة والعدالة والمساواة والتصدي للظلم والطغيان؛ وعلى الجانب الآخر مدرسة السلاطين الميكيافيلية التي يقوم عليها نظام الملالي حيث يتم توظيف الدين كأداة سياسية لخدمة مصالح السلطة بعيدًا عن جوهر الإسلام الأصيل.

إيران: صراع الهوية والسلطة

على مدار أكثر من أربعة عقود، شهدت إيران صراعًا بين هويتها الإسلامية الأصيلة وبين السلطة التي تدعي تمثيل الإسلام؛ فمن جهة نجد أن هناك من يؤمن بأن الإسلام دين يحترم الإنسان ويدعو إلى الحرية والعدل، وفي الجهة الأخرى هناك من يستخدم الدين كأداة للسيطرة والهيمنة والبغي، وقد جعل هذا الصراع من إيران ساحة لمعركة بين "الإسلام الحقيقي" و"الإسلام السياسي" الذي تحول إلى أيديولوجيا طائفية.

مجاهدو خلق: الإسلام الثوري الأصيل

منذ تأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية تبنت هذه الحركة رؤية إسلامية قائمة على مبادئ الحق والعدل ومقاومة الاستبداد، ولم يكن الإسلام لديهم مجرد شعارات أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة بل كان عقيدة نضالية وأساساً لإقامة مجتمع عادل خالٍ من الاستغلال والاستبداد، ولذلك نجد أن فكرهم يتناقض جذريًا مع الإسلام الذي يروج له نظام الملالي والذي يقوم على القمع والاستبداد باسم الدين.

يؤمن مجاهدو خلق بإسلام قائم على: مبدأ العدالة الاجتماعية "حرية الإنسان وكرامته، ورفض العبودية للحاكم المستبد، والمساواة بين الجنسين، ورفض التمييز وإقصاء المرأة، وفصل الدين عن الدولة لضمان عدم استغلاله كأداة قمعية، والجهاد ضد الظلم والاستبداد وليس ضد الشعوب وقيمها."

إسلام الملالي: الميكيافيلية باسم الدين

على النقيض من مجاهدي خلق؛ يمثل النظام الإيراني نظام الملالي الحاكم منذ سنة 1979نموذجًا لتحريف الإسلام وتحويله إلى أداة سياسية تخدم بقاء السلطة.. فمنذ وصول خميني إلى الحكم عام 1979، تم استغلال المشاعر الدينية لتثبيت أركان الدكتاتورية، وتحول الدين إلى غطاء لممارسات قمعية من قبيل: ولاية الفقيه المطلقة، التي جعلت رجل الدين فوق الشعب، يحكم بلا مساءلة، ويمارس القمع تحت غطاء الدين حيث يُبرر البطش بالمعارضين بتهم دينية ملفقة، وتصدير الإرهاب والفوضى تحت ستار "نصرة المستضعفين"، وتشويه صورة الإسلام عالميًا من خلال سياسات تزرع الطائفية والتطرف.

خمسة وأربعون عامًا كاشفة للحقائق

بعد أكثر من أربعة عقود على حكم الملالي بات واضحًا أن الإسلام الذي يدّعونه مجرد غطاء للسلطة والاستبداد؛ فإيران اليوم غارقة في الفساد.. اقتصادها منهار، وشعبها يعاني القمع والاضطهاد، في المقابل نجد أن المدرسة الرافضة للملالي وحكمهم وفكرهم "منظمة مجاهدي خلق" لا تزال متمسكة بثوابتها رغم كل الضغوط، وتمثل البديل الديمقراطي الذي يطمح إليه الشعب الإيراني.

النتيجة: أين يكون الهدى من الضلال؟

يمكن الجزم بأن الإسلام الأصيل القائم على القيم والثوابت، تجسّده القوى المناضلة من أجل الحرية وعلى رأسها مجاهدو خلق، وأما الإسلام الذي يدّعيه الملالي فهو إسلام زائف يستخدم الدين كأداة تسلطية، ويحرف مبادئه لصالح بقاء النظام، وعليه فإن معركة الحرية ضد الاستبداد في إيران ليست مجرد مواجهة سياسية بل هي صراع بين الإسلام الحق والإسلام المزوّر.

الخاتمة: العودة إلى الإسلام الأصيل

للعودة إلى الأصيل يجب التفريق بين العقيدة الإسلامية الصحيحة والممارسات الخاطئة التي ارتكبت باسم الإسلام، ويجب على المسلمين أن يسعوا إلى تطبيق قيم الإسلام في حياتهم اليومية.

إن دراسة التجربة الإيرانية تكشف لنا أن الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي يحترم الإنسان ويحقق العدل والحرية، وليس الإسلام الذي يتم توظيفه لخدمة مصالح فئة معينة. فالإسلام دينٌ عالمي يدعو إلى الخير للبشرية جمعاء، وليس أداة للصراعات السياسية أو الطائفية، وعليه فإن العودة إلى الإسلام الأصيل بعيدًا عن الادعاءات الكاذبة والممارسات المنحرفة هي الطريق الوحيد لتحقيق الهداية والفلاح. كما قال تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"(سورة الرعد: 17). الإسلام الحقيقي هو الذي يبقى وينفع الناس، وأما الادعاءات الكاذبة فمصيرها الزوال.

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي