جهاد البطاينه يكتب لـ(اليوم الثامن):

الشرق الأوسط في الهاوية: إيران تحت النار وإسرائيل تتوسع

الضربة الأمريكية التي استهدفت المفاعلات النووية الإيرانية لم تكن فقط لحظة عسكرية طارئة وسريعة، بل كانت إعلانًا مدويًا بانتهاء مرحلة الردع، وبدء مرحلة جديدة من الصراع، عنوانها أن من لا يمتلك سلاحًا نوويًا ولا حليفًا حقيقيًا، لا يملك الحق في الصمود.

راس الحربة واشنطن ، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، تدخل مباشرة على خط المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية، ليس كوسيط أو ضامن توازن، بل كطرف هجومي اختار أن يحسم المعركة قبل أن تخرج من أيدي حليفه الذي أنهكته الردود الإيرانية.

ثلاثة مواقع نووية تم تدميرها بضربة دقيقة، وتحوّل الحلم الإيراني بامتلاك الردع إلى رماد سياسي وهندسي في لحظة واحدة بطائرات لم ترصدها الرداردات .

ما جرى على الأراضي الإيرانية هو في حقيقته زلزال إقليمي، سيكون ارتداده أشد عنفًا على الجغرافيا العربية منه على الداخل الإيراني نفسه.

فإذا خرجت إسرائيل من هذه الحرب المدعومة الآن بشكل علني من واشنطن وهي ترفع راية النصر، فإن الشرق الأوسط لن يكون كما عهدناه، ستسقط طهران أو تُخنق، لكن ما يسقط معها هو آخر مركز قوة كانت تُربك المشروع الإسرائيلي، أو تؤخر زحفه على المنطقة.

حين تختفي طهران من معادلة الردع التي تقودها، فإن إسرائيل لن تكون مجرد قوة مسلحة في قلب العالم العربي، بل ستتحول إلى مركز قرار يفرض إيقاعه على الجميع، أنظمة، شعوب، حدود، وسقف طموحات.

الضربة لم تكن فقط على مفاعلات التخصيب، بل على ما تبقى من وهم أن هناك من يستطيع أن يقول “لا” للمشروع الصهيوامريكي، وهنا المأساة الكبرى، إذ أن الحرب التي تدور اليوم ليست مجرد مواجهة بين إيران وإسرائيل، بل هي معركة على من يمتلك قرار الشرق الأوسط بعد أن انهارت المشاريع البديلة.

تركيا تروّج لنفسها كقائد المسلمين الجدد، لكن الذاكرة العربية لا تزال تحتفظ بصور الماضي العثماني بمراراته واوخر مئة عام وربما أكثر من الفساد والاستعباد الذي لحق بالمواطنين .

إيران، برغم كل ما عليها من ملاحظات، كانت اللاعب الوحيد بالمنطقة القادرعلى خلط الأوراق واللعب بها، وتهديد الهيمنة، ومنع الاستفراد بالقضية الفلسطينية كقضية داخلية إسرائيلية.

الرد الإيراني قادم لامحالة، لكن الجميع يدرك أنه سيكون محدودًا، مرهقًا، غير قادر على تغيير ميزان القوة،طهران محاصرة، اقتصادها ينهار، ووكلاؤها في الإقليم إما مستنزفون أو مراقبون بعناية، ومجرد أي رد مباشر ضد واشنطن أو تل أبيب سيُعجل بانهيارها الكامل.

لذلك، فإن الحرب، في حقيقتها، أوشكت على نهايتها،والأخطر ليس نهايتها، بل نتائجها على الشعوب العربية، التي كانت ترى في الصراع توازنًا بين الشرور، ستفيق على واقع جديد: إسرائيل هي القوة الوحيدة المنظمة، المدعومة، المسموح لها بأن تفرض، وتمنع، وتحمي، وتُعاقب.

خارطة التطبيع ستمتد كما لم يحدث من قبل، ليس لأن الأنظمة العربية تحب إسرائيل، بل لأنها أصبحت تدرك أنه لا أحد قادر على حمايتها منها،من لم يطبع سابقًا خوفًا من إيران، سيطبع الآن خوفًا من إسرائيل.

القضية الفلسطينية، التي كان صوتها يصل من بيروت وطهران وبغداد وغيرهم، ستُترك وحيدة بلا سند ولا غطاء ولادعم، غزة ستُخنق أكثر، والمستوطنات ستبتلع ما تبقى من الضفة، والقدس ستُقضم يومًا بعد يوم، فيما تُروّج الشاشات العربية لرؤية جديدة للسلام، عنوانها “لننسَ الماضي كي نعيش الحاضر”، وكأن الاحتلال صار قدرًا لا مفر منه.

لكن الأشد مرارة من انتصار إسرائيل، هو انكشاف هشاشة النظام العربي، لا مشروع، لا قيادة، لا تحالف، لا حتى رفض، فقط عواصم تلهث وراء الأمن، وأنظمة تعقد الصفقات سرًا وتبررها علنًا، وشعوب تُركت بلا خيار، وبلا حلم.

إذا سقطت إيران، فمن سيقود هذا الفراغ؟ من سيمسك بزمام المبادرة حين يصبح الخصم هو الجلاد والحكم، والصديق هو الغائب، والواقع هو الاستسلام؟ وهل ننتظر أن تأتينا الحلول من الخارج مرة أخرى، أم نعيد بناء مشروعنا من الداخل على أساس عربي خالص، يحمي الشعوب دون أن يُذلها، ويواجه العدو دون أن يراهن على واشنطن أو أنقرة أو موسكو؟

الخطر الكامن في هذه اللحظة ليس التوازن العسكري الذي انكسر، بل التوازن المعنوي الذي انهار،إسرائيل، ومعها واشنطن، قررتا أن لا مكان لقوة أخرى في الإقليم دون إذنهما وكل من يرفض، فمصيره العزل أو القصف أو الحصار.

الشعوب، فهي أمام مفترق طرق خطير: إما أن تُساق إلى طاولة السلام التي أُعدت دون حضورها، أو أن تنهض من رماد الانقسام لتكتب حكاية جديدة تُعيد للعروبة كلمتها، وللكرامة مكانها، وللاحتلال حدودًا لا يتجاوزها لأن النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد الطائرات، بل بما تبقى في قلوب الشعوب من وعي وإصرار ورفض.

لكن في نهاية المطاف، ليست الصواريخ هي من تكتب مصير الشعوب، بل الوعي الذي نعول عليه قد تنتصر إسرائيل عسكريًا، وقد تنجح أمريكا في إعادة رسم الخرائط، وقد تُجبر الأنظمة على الانحناء، لكن الشعوب التي لم تُهزم رغم النكبات، لا تزال تحتفظ بذرة الرفض.

اليوم ما يُبقي الاحتلال قائمًا ليس تفوقه العسكري، بل غياب البديل العربي وإذا بقينا ننتظر من ينوب عنّا، فسنُحكم بمن لا يمثلنا ويمثل إرادة الشعوب المنهكة.

السقوط الحقيقي لا يكون حين نخسر المعارك، بل حين نكفّ عن الإيمان بأن لنا حقًا في النصر، وواجبًا في النهو وما لم نملك مشروعًا واضحًا، نحميه بإرادة جماعية، ونقدمه لشعوبنا كأمل حقيقي، فإننا سنبقى نعيش في ظلال الآخرين، نُصفق لانتصاراتهم، ونتوارى عند هزائمنا هذه لحظة الحقيقة ،إما أن ننهض، أو نُمحى من صفحات التاريخ كأمة كانت، ولم تعد..