ماجد السامرائي يكتب:
العراق.. وداعا برلمان الفاشلين
وأخيرا استسلم البرلمان العراقي لمشيئة نهاية عمره الدستوري، رغم مهرجان محاربة التزوير وكأن التزوير ظاهرة غريبة عن الانتخابات، وهي في حقيقتها وجه من وجوه فشل العملية السياسية في العراق.
في هذه الأيام التي تنشغل فيها الأحزاب الفائزة بترتيب صفقات الجولة المقبلة من السلطة يحتاج البرلمانيون الراحلون إلى وقفة تأمل، رغم أنها بعيدة عن تكوينهم السياسي المبني على المصالح الخاصة وليست مصالح الناس، ولكن من باب الافتراض هناك أسئلة كثيرة في مقدمتها؛ ماذا قدموا لناخبيهم خلال الأربع سنوات الماضية ولأهل الوطن جميعا حيث أقسموا على حمايته ووحدته.
لم يسمع أحد أجوبة مقنعة وكل ما سمع من بعضهم أجوبة من قبيل إن ظروف البلد صعبة وهناك إرهاب وداعش وغيرها، ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء الأعضاء وعددهم 328 لم يكن لهم صوت داخل قبة البرلمان، وإنما هم أدوات بيد رؤساء الكتل السياسية يوجهونهم كما يشاؤون، ولعل جلسة يوم 30 يونيو أكدت توجيه رؤساء الكتل لأعضائهم بعدم حضور تلك الجلسة التي كانت تنوي تمديد عمر البرلمان.
والحقيقة الأخرى هي أن عدد من فشلوا في هذه الانتخابات من أعضاء البرلمان الحالي بلغ 236، ومن أبرز خروقات البرلمان السابق هي تعيين مفوضية الانتخابات وفق ترشيحات الكتل السياسية، ثم انقلب على هذه المفوضية بعد ظهور نتائج خسارة ثلثي أعضائه ومن بينهم الهيئة الرئاسية.
تورط البرلمان الماضي بالكثير من نقاط الفشل والتسويف في محاولات وضع النظام السياسي على عتبات المؤسساتية وتخطي المحاصصة الطائفية، فلم تتم مناقشة أهم قانون متعلق بالثروة النفطية وهو قانون النفط والغاز المرحّل من الدورات السابقة، ومعه قانون مجلس الخدمة الوظيفية وقانون مجلس السياسات.
لقد حصلت وقفات لبعض أعضاء البرلمان السابق خلال موجة الدعوة للإصلاح التي قادها تيار مقتدى الصدر، لكنها تلاشت مع انسحاب موجة الغضب العام وفق صفقات سياسية معروفة. هناك سمة عامة سيطرت على أوضاع أعضاء برلمان الدورة 2014-2018 وسابقاتها، وهي أن جميع الكتل السياسية تحتفظ بخصوصية لا مثيل لها هي الاحتفاظ بالمعارضة والسلطة في آن واحد.
لقد أمضى رئيس الوزراء حيدر العبادي أربع سنوات في حكمه وهو يرفع شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، وهو يتعاطى مع تلك الشعارات كأي سياسي خارج مسؤولية الحكم. صحيح إن العراق في فترة حكمه تعرض إلى اجتياح عصابات داعش واحتلالها لثلث أرض العراق خلال أيام معدودة، لكنه لم يتمكن من اتخاذ إجراءات لتنفيذ توصيات اللجنة البرلمانية بأسباب سقوط مدينة الموصل وما تبعها من محافظات، وتماشى البرلمان مع هذا الصمت رغم أن الحقائق المعلنة كشفت عن تورط مسؤولين كبار بهذه الخيانة الوطنية. وقد يقول بعض البرلمانيين المدافعين إن واجب البرلمان ليس المحاسبة القانونية، ولكن أليس من واجبه ملاحقة قضية تعلقت باحتلال العراق، لكنهم لا يلاموا فقد تم احتلال العراق من قبل أميركا لثماني سنوات واعتبروه تحريرا.
كما لم يتمكن البرلمان من الضغط على الحكومة لكشف المسببين لجريمة سبايكر التي راح ضحيتها 1800 شاب مغدور، وكذلك الكثير من عمليات التفجير لمناطق حيوية في بغداد لأن هناك خلفيات سياسية لا يستطيع البرلمان أن يقترب منها.
لم يتمكن البرلمان من تحريك قضية من قضايا الفساد التي هزت البلاد رغم وجود لجنة للنزاهة حامت حولها أيضا شبهات الفساد الإداري، واكتفى البرلمان بعرض مسرحيات المساءلة لبعض الوزراء التي تمت لدوافع التسقيط السياسي أو الخلافات التي تصاعدت بين أربيل وبغداد، ولعل مثال مساءلة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي وهو عسكري مهني كان واضحا، حيث تحول بعد هذه الحادثة إلى سياسي فاز بعشرة مقاعد عن الموصل في البرلمان الجديد. ونضيف مثال عدم محاكمة وزير التجارة السابق فلاح السوداني الذي سلمه الأنتربول الدولي إلى الحكومة العراقية لكنه اختفى عن الأنظار لانتمائه لأحد الأحزاب النافذة.
ماذا قدم البرلمان لكارثة النازحين التي فضحت النظام السياسي القائم، علما بأن رئيس البرلمان سليم الجبوري يمثل واحدة من تلك المحافظات المنكوبة، وستظل جريمة النازحين وما رافقها من فساد إحدى العلامات السوداء في جبين البرلمان السابق.
أعضاء البرلمان الفاشلون يغادرون هذه المؤسسة التي كان منتظرا منها أن تكون ملاذا لرفع الظلم وحماية كرامة الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة، خرجوا وهم غير مأسوف عليهم من قبل الشعب الذي وجه عقابه الصارم عشية الانتخابات بنسبة عالية من المقاطعة.
هل استطاع البرلمان أن يحول أصوات الملايين من العراقيين الذين انتخبوا أعضاءه إلى قوة سياسية داعية إلى تعديل الدستور القائم الذي كان البلاء الأول لما يحصل في العراق، وإلى تغيير معادلة المحاصصة الطائفية، ولماذا لم يرفع البرلمان صوته لتحقيق سياسة أمنية سليمة تنهي الفوضى وتحمي المواطنين من عصابات القتل والترويع والخطف المتعدد الأغراض السياسية والمالية، وتطبيق النص الدستوري بإنهاء دور الميليشيات وهيمنتها على الشارع وحصر السلاح بيد الدولة.
كانت عضوية البرلمان في العراق، ومازالت، هبة من الأحزاب الكبيرة لمريديها ليتنعموا بالامتيازات والحصانة من المساءلة، فيتحول الجائعون من خلالها إلى زعماء يحفهم الحراس والسكرتاريات الشخصية والإعلامية، واجبهم الأول هو تغطية السياسات الحزبية الظالمة وغير العادلة للشعب عبر حضورهم المكثف على الفضائيات العراقية الحزبية وغير العراقية ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي الفترات الحرجة كالانتخابات تنتظم الجيوش الإلكترونية التي تصرف عليها وعلى جنودها المجهولين عشرات الألوف من الدولارات، ثم يتحول النائب من ممثل حقيقي للناخب إلى وكيل إنجاز معاملات التعيين في الوظائف لقاء مبالغ معينة في بلد يصبح فيه طلب الوظيفة مهمة قاسية وسط قوافل العاطلين.
لم يشغل البرلمان نفسه بمطالبة الحكومة ومحاسبتها على انعدام بناء المدارس وانهيار القطاع التربوي والتعليمي والصحي وحماية المرأة والطفولة والشباب، لكن رئيس وأعضاء البرلمان نشطوا ومن خلال العشرات من مستشاري رئيس البرلمان الذين دفعت لهم الرواتب الخيالية بتحضير اللوائح القانونية خلال ساعات لتبرير مسرحية “الثورة” ضد الانتخابات المزوّرة، ليس دفاعا عن صوت العراقيين الذي انتهك دائما، وإنما للثأر من نتيجة فشلهم في تجاهل لمبدأ ديمقراطي معروف وهو الاعتراف بالخسارة.
قال رئيس برلمان عراقي سابق، إنه لو استبدل قانون البرلمان إلى الصيغة المعروفة عالميا بأن عضوية البرلمان عمل تطوعي يتقاضى من خلاله النائب مخصصات مؤقتة خلال فترة عمله لأربع سنوات تنتهي بعد نهاية هذه الوظيفة لما تقدم أحد للترشيح.
أعضاء البرلمان الخاسرون الذين أنفقوا الألوف من الدولارات على أمل تعويضها مما سيكسبونه حزنوا لهذه النتيجة التي ألقت بهم خارج قبة البرلمان ما يعني توقف العطايا، لأنهم لم يسدوا جوعهم القديم من هذه الوليمة الكبيرة وجياع العراق يملأون المدن والقرى والأرياف، والنازحون لا تتوفر لهم منذ أربع سنوات حتى الخيام اللائقة بالإنسان، وعشرات الألوف منهم ممنوعون من العودة إلى منازلهم لأسباب “أمنية”.
أعضاء البرلمان الفاشلون يغادرون هذه المؤسسة التي كان منتظرا منها أن تكون ملاذا لرفع الظلم وحماية كرامة الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة، خرجوا وهم غير مأسوف عليهم من قبل الشعب الذي وجه عقابه الصارم عشية الانتخابات بنسبة عالية من المقاطعة.