حادي بادي في شرعية هادي!!
جنرالات الحرب في "الشرعية" أذكياء في المصلحة، ويفهمونها وهي طائرة، لكن -لسبب ما- لا يُريدون استيعاب أمر مهم مُتعلق بموضوع الحرب في اليمن.. رُبما لأنّه "سياسي" والسياسة ليست مما يعنيهم.
حسم الحرب لصالحهم؛ منوطٌ بهم وحدهم، وبقوّتهم على الارض.. وتمدّدهم وانتشارهم فيها؛ مرهون بمعرفة تفاصيلها، والحرب فوق أديمها، لا صناعة الوهم، وكيل الوعود، والتقفّز في الفضائيات.
لم يستوعبوا بعد: أنّ التحالف الذي طلبوا مساعدته؛ منحهم ما يُكمل نقصهم.. وينْقُص خصمهم من أسلحة وعتاد.. بما فيها الطيران.. ومن الطبيعي إذا ما عجزوا، أو حوّلوا دعمه لهم إلى متاجرة؛ أن يبحث عن مصالحه وأمنه واستقراره عند غيرهم، لاسيما وهو يرى أنّ المخاطر لا تزال تتهدده.
***
في تعليق ساخر لوزير ودبلوماسي يمني سابق -بعد مُشاهدته امتعاض "عبدربه منصور هادي" في حواره مع الـ"bbc" من تأخر الحسم- أشار إلى اللَبْس الذي أحدثه مُسمى "عاصفة الحزم" في الذهنية السياسية للشرعية؛ فقد ظنوا أنّها "ستكون مثل عاصفة الصحراء، مشمولة بقوات من الناتو، وإنزال مظلي، واجتياح عاصف للمدن؛ كما حصل في الكويت والعراق، وزيادة عليها (تخزينة قات يومية) ترافقهم في حروبهم الفندقية بين الرياض والقاهرة وعمّان".
ولأنّهم لم يقرأوا جغرافية اليمن بفروعها الطبيعية، والتاريخية، والسياسية، والبشرية؛ توّهموا ما علق في ذهنهم من الاسم، وآثروا الركون والانتظار، مما جعل التحالف -بعد أسابيع- يُغيّره إلى"إعادة الأمل" بعد أن فقد فيهم الأمل.
اليمنيون يقتربون من ثلاثين مليون نسمة، كلهم مُسلحون، وتقريبًا مُدربون بالفطرة على الأسلحة الخفيفة وصالحون للحرب.. ومن الميوعة والترف الزائد عندهم البقاء في الفنادق لغير عمل مهم وسريع.. لكن أرضهم الوعرة -باستثناء الصحراوية والساحلية- ينتصر فيها المعجونون بجبال الأرض وترابها.. أو تتحول لحروب استنزاف، لهم أو عليهم.. ولا تُحسم فيها المعارك عن طريق الجو.. كما أنّ اليمن ليست بئر نفط مُغرية وقادرة على تسديد كُلفة الحرب كـالكويت والعراق.. ولا اليمنيون بنفس ولاء وانسجام الكويتيين مع المملكة.. ومن يحاربونه -مع خطورته عليهم- ليس بعناد وعجرفة صدام حسين.. فرُغم ملُاعنته لليهود والأميركان يشهد له ثلاثة من مبعوثي الأمم المتحدة -خلال سبع سنوات- بـ"طول البال، وقابليته للحوار، ومرونة تعاطيه مع مشاريع الأمم المتحدة للسلام"، ولعل دهاءه هذا هو السبب الجوهري لإطالة الحرب بممارسة حلفائه لضغوطات تخدمه.. إضافة لعدم اطمئنان وثقة السعودية من جديته في التعاطي مع السلام، والتخلي عن الشعارات والأفكار التي تجعله بعيداً عنها وأقرب لإيران، وهنا مربط هذا المقال.
***
الأسبوع الماضي، وبعد ساعات من انتهاء مشاورات قصر "ولتون بارك" في "لندن" مع (22) شخصية يمنية مؤثرة، أجرت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية حوارًا مهمًا مع الموفد الأممي (مارتن غريفيث): حدّد فيه بوضوح ودقة تفاصيل مهمته المُكلف بها من الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن.. وقال: "نحن في مرحلة مشاورات تؤدي إلى مفاوضات. والمشاورات عملية غير رسمية تشمل أطرافًا وأشخاصًا وجهات عدة، عكس المفاوضات، فهي رسمية وستكون بين الفرقاء وجهًا لوجه".
أما مهمته فتنحصر في "إيجاد مواطن للاتفاق بين الأطراف، وليس التفاوض نيابة عنها"، وأنّ مجلس الأمن أقرّ في يونيو الماضي "إطار عمل" لعملية السلام، التي ستبدأ في 6 سبتمبر المُقبل. مستلهمة لكثير من الدروس الجيدة والسيئة المستقاة من التجارب السابقة في بييل وجنيف والكويت، وهذا الإطار الذي لم يعد قابلًا للنقاش والمراجعة يسعى إلى "التوصل إلى اتفاق موقّع من جميع الأطراف، يتضمن القضايا الضرورية لوقف الحرب، والتوافق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع، لفترة انتقالية، وفقًا للقرار الأممي (2216) تتكفل بوضع ترتيبات أمنية لانسحاب كل المجموعات المسلحة من اليمن، ونزع سلاحها بطريقة تضمن امتثالها للوعود التي قطعتها.. وإجراء حوار سياسي شامل".. موضحًا بأنّ: "هذه التسوية ستوقف الحرب ولن تبني السلام الذي هو من مهام الحكومة التوافقية للفترة الانتقالية، باعتبارها صاحبة الحق الحصري في سحب الأسلحة واستخدام القوة".
***
وقال إنَّه "لا يذيع سرًّا إذا أَعلن أن ذلك هو المطلوب".. وأحسب أنَّه يعني بالمطلوب: الآراء المتفق عليها في اجتماعات الرُباعية، وتحولت إلى إطار عمل للتسوية أقره مجلس الأمن.
وحول علاقة الحرب اليمنية بأمن السعودية قال: "السعودية موافقة من حيث المبدأ بأنّه يجب ألاّ يلعب أي بلد آخر دورًا في تحديد مُستقبل اليمن"، مضيفاً أنّ مسألة الأمن في اليمن "لا تخص اليمنيين وحدهم"، وتتعدى دول الجوار لـ"تشمل أوروبا أيضًا؛ فلديها اهتمام كبير بالعبور الآمن للتجارة عبر البحر الإحمر، وصار حل النزاع اليمني أمراً استراتيجيا للغاية". مؤكدًا أنّ "الأمم المتحدة تُفَرِّق تماماً ما بين انقلاب الحوثيين على شرعية هادي.. وبين خطورة القاعدة وداعش"، وقال إنّ الحوثيين ملتزمون بالتفاوض على حل، حسب تأكيداتهم له، وقد أشاروا أيضًا إلى أنهم يعرفون ما هو مطلوب للتسوية..
ولمن لا يفهم في لغة الدبلوماسية الأممية فهو يقول باليمني الفصيح: يكفيكم نواحًا وعويلًا على شرعية هادي التي حولتموها إلى ذريعة للبقاء في الفنادق.. ووسيلة للتربح وشراء القصور والفلل.. مع أنّ هروبكم من مواقع الحرب، وعدم وجودكم على الأرض، صار مُخزيًا ومُقرفًا، وجاذبًا للقاعدة وداعش؛ تسرحان فيها وتمرحان وتدعوان لشرعية هادي بطول العمر، وبهتافات جديدة ومبتكرة لمن يطالبونه بالتحرير، حتى صحّت فيهم مقولة "خالد بحّاح" عن تعز : "لو بصقوا على الحوثيين لأغرقوهم"!!
أيُّ مراقب حصيف ومحايد يدرك أنّ الأمم المتحدة منحت شرعية عمنا هادي تفويضًا منذ البداية بحسم الحرب لصالحها، وبالطريقة التي تراها مُناسبة، ولولا "العيب والخزى" لخرج أمينها العام "أنطونيو غوتيريس" مقاتلًا بنفسه.
***
لا تلوموا الإدارة الأميركية التي شهد لها هادي بأنّها تُريد ضرب المصالح الإيرانية في اليمن عن طريق دعم الحل العسكري، عكس أوروبا التي تُفضل الحل السياسي.. ولا الأمم المتحدة بعدما صارت قناعتها "أنّ الضمانات الوحيدة لأي اتفاق هي: إرادة الأطراف المعنية. والمجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية، وقد يعطي مجلس الأمن ضمانات ويفرض عقوبات.. ولكن إذا لم ترغب الأطراف في نجاح العملية فلن تنجح".
وفِي رده على من يطالبونه كمندوب للأمين العام بفرض الحلول -ومن الجيد أنَّه لم يقل- والقتال بدلًا عن المقدشي وهاشم الأحمر، قال إنّ ما يحاول فعله هو "التوصل إلى اتفاق. والاتفاق يعني: اتفاقًا طوعيًا غير مفروض فرضًا".
يعني: هو مندوب يا جماعة.. حاولوا تفهموا. وكما لم تنفع تخريجات وتربيطات مؤتمر الحوار، فلن تُجدي فهلوة وحذلقات مؤتمر المرجعيات، ومنها وضعه الحراك الحنوبي والحوثيين في سلة واحدة.. وعلى ذلك فإن مخاوف "عيدروس الزبيدي" التي أبداها في حواره مع قناة "أبوظبي"، تصبح طبيعية ومُبررة.
مستقبل جنوب اليمن وخياراته بين الانفصال أو البقاء موحدًا سيكون كما قال المندوب الأممي: "جزءًا من نقاش يديره اليمنيون بعد التسوية وتشكيل الحكومة التوافقية، ولن يطرح قبلها. وإذا انفصل الجنوب حاليًّا فسيكون ذلك كارثيًّا باتفاق المعنيين بالقضية الجنوبية"، فكما أنّ الوحدة لا تفرض قسراً، فإن فك الارتباط مُرتبط بالتوافق عليه.
***
ومن لا يقبل بالتسوية التي يتحدث عنها "غريفيث" ويرفض الحوار وفقًا للإطار الذي أقره مجلس الأمن في 18 يونيو الماضي، ويراه مُنحازًا للحوثيين، عليه أن يقاتل، وينتصر على الأرض ليفرض التسوية التي يُريدها.. أمّا التلكوء والتحجج بالمرجعيات الثلاث، فلا طائل منه غير إطالة أمد الحرب، وسيؤدي إلى تطليق الشرعية بالثلاث.. وعلى ذلك فرُبما تُكلل مساعي المندوب الأممي بالنجاح في حلحلة الوضع الاقتصادي المتأزم وإعادة الروح للموظفين الذين لم تصرف رواتبهم منذ عامين وفتح المطارات المغلقة.. والتوقف عند ذلك، لأنّ خطاب الحوثي لا يُرِيد المجازفة حتى اللحظة في التخلي عن السياسات التي تقلق دول الجوار وكانت السبب الرئيسي لهذه الحرب.
عيييييب يا "بو يمن" أحرجتم العالم وهو واقف معكم على رجل.. منكم من يقاتل ولا يدري ماذا يريد.. ومنكم من لا يريد أن يقاتل ويداري عجزه بالتواري خلف شرعية هادي.. واللف والدوران حولها، كما يفعل الأطفال في أنشودة حادي بادي.