نهى الصراف تكتب:
الإنسان في الغابة!
في إحدى الولايات الأميركية، صدر حكم بالسجن على صيّاد مع تدريبه على مشاهدة فيلم ديزني الكرتوني “بامبي”، مرة واحدة في الشهر على الأقل طوال مدة عام من حبسه، كجزء مكمّل للعقوبة، بسبب قتله المئات من الغزلان بشكل غير قانوني.
وسيبدأ المتهم بالفعل، في مشاهدة العرض الأول للفيلم الأسبوع المقبل تنفيذا لجزء حيوي من العقوبة، بينما يقضي إجازة نهاية العام الحالي في السجن. ووصفت عمليات القتل التي قام بها بأنها من أكبر حالات صيد الغزلان الجائر في تاريخ الولاية، إذ تم قتل المئات منها في غضون ثلاث سنوات فقط.
ويقف الجمهور المتابع لتفاصيل هذه القضية على جانب واحد في تأنيب المذنب على قسوته وشراسته في طريقة قتل هذه الحيوانات الرقيقة، فقط ليحتفظ برؤوسها كأكاليل (تذكارية) وتركه لأجسادها كي تتعفن في البرية. بينما وصفه البعض بالصياد المغفّل الذي باع حريته من أجل التباهي برؤوس يعلّقها في حيطان داره أو مزرعته، في حين كان الأجدى به أن يحتفظ بالجسد ويستمتع بتناول المئات من الوجبات المكونة من لحوم الغزلان الطريّة!
وفي جميع الأحوال، دخل الصيّاد السجن على أمل إصلاحه وتهذيب مشاعره، مع ساعات طويلة يقضيها في مشاهدة قصة حياة أشهر حيوان ربما في عالم الرسوم المتحركة؛ “بامبي”، الغزال الصغير الذي حذرته أمّه مرارا من التجوال وحيدا في البريّة وحين كان يسألها عن السبب تقـول له “الإنسان في الغـابة”، لكنها تموت في إحدى المرات برصاص صيادين بينما تحاول إطعامه. ويتمكن الصغير من الفرار ويترك خلفه جسد والدته المغدورة ليقضّي بقية حياته وحيدا ومطاردا من قبل صيادين جدد، في لعبة مكررة ومقيتة.
يوم أمس، مرت على نظري صورة سريعة لعصفور رمادي صغير يقف بانكسار على خلفية جدار غرفة مع قطرات حمراء تم توزيعها عشوائيا على أجزاء من جسده، ظننتها أول الأمر حيلة من تطبيقات برنامج “الفوتوشوب” لتعديل الصورة ومنحها بعدا جماليا، لكني حين دقّقت وجدت قطرتين كبيرتين حمراوين تستقران كنافذتين بوجه العصفور المسكين بدلا من عينيه، وقد اقتلعهما (كائن بشري) ما في لحظة خارجة عن نطاق المنطق الإنساني. كانت دماء حقيقية وليست ألوانا مضافة من برنامج رسم بالكمبيوتر!
شخصيا، أفضّل مشاهد القتل التي ارتكبها الصياد الأميركي لحظة قطعه لرؤوس الغزلان، على مشهد عذابات الطائر المنكوب وبالذات لحظة اقتلاع عينيه والآلام الرهيبة التي مزّقت قلبه الصغير. حتما، فالطائر الجميل يمتلك قلبا، ونظاما حسيّا متكاملا يجعله يشعر بالبرد والحر والتعذيب.
الموت أهون كثيرا من العيش في عذاب مستديم أو مع ذكريات عذاب مرّ على روح كائن حي، تتلخّص جريمته في ضعفه الذي جعله ألعوبة في يد وحش بشري لا يرحم. ترى، لو تسنّى للقاضي الذي أصدر حكمه على الصياد الأميركي، البتّ في قضية معذب العصفور، فأي حكم سيصدره بحقه وأي فيلم كرتوني من سلسلة منتجات ديزني سيكون مناسبا لتأبين روح الحيوان المعذبة؟
في حياة البشر الذين يرزحون تحت سطوة حكام مصابين بالمرض النفسي، تُرتكب العديد من جرائم القتل وأغلبها جرائم غير مسببة كما ترتكب عمليات تعذيب منظّمة، والتعذيب قد لا يتمثل بالضرورة في صورة عدوان مباشر على جسد الضحية، بل إن أكثره وحشية هو الذي يستهدف الأرواح؛ فقر، جوع، جهل وسرقة أموال ومقدرات شعوب بأكملها. ومع ذلك، لم تتصد لهم أي من المحاكم المنتشرة في طول هذا العالم وعرضه، ولم يقسرهم أحد على مشاهدة أفلام كرتون لتهذيب مشاعرهم الانتقامية.
وعلى العكس من ذلك، فقد كان معروفا بأن هتلر مثلا كان يعشق مشاهدة فيلم “سنو وايت والأقزام السبعة”، وستالين كان يحرص على مشاهدة “طرزان”، بينما ابتعد صدام والقذافي وكيم جونغ أون وبعض رؤساء أميركا عن أفلام الكرتون واكتفوا بسلسلة متنوعة من أفلام رعاة البقر. ورغم ذلك، كانت عمليات القتل والتعذيب مستمرة.. فالحياة شاشة سينما كبيرة البعض يلعب فيها دور المشاهد، بينما تكتفي البقية الباقية بلعب أدوارها الشريرة، فلا تنتظر تصفيقا من أحد.