نهى الصراف تكتب:

لم يعد أحد من الموت ليخبرنا!

في لحظة واحدة، تعافى سكوت مار بعد أسابيع من العلاج غير المجدي واليأس من الشفاء، وبعد أن قرر أبناؤه رفع أجهزة التنفس الاصطناعية والتأهب لخبر موته الوشيك، ثم التحضير لإجراءات الجنازة.

تم تشخيص مرض “الرجل المعجزة” كما وصفه أفراد عائلته، في ديسمبر الماضي بالسكتة الدماغية، بعد أن وجد مستلقياً في سريره غير قادر على التنفس بعد مرور يوم واحد فقط على الاحتفال بعيد ميلاده الـ61، حيث نقل فوراً إلى المستشفى ليوضع على جهاز التنفس في قسم العناية الفائقة. لم يظهر الرجل أي تحسن يذكر في الأيام التي تلت ذلك، وسرعان ما صرح الأطباء بأنها حالة من الموت الدماغي ووفقاً لذلك أدرك أفراد أسرته بأن الأب على وشك الرحيل.

تقول ابنته: “لقد أخبرونا بأنها حالة موت سريري، فودعناه قبل أن يتم إيقاف جميع أجهزة التنفس وانتظرنا جانباً”، لكن لحظة استغنائه عن الأجهزة الاصطناعية استرد سكوت مار قدرته على التنفس الطبيعي من دون الحاجة إلى دعم طبي. في صباح اليوم التالي، ألغى أفراد أسرته موعدهم مع طاقم الموظفين الذي كانوا في طريقهم لترتيب تفاصيل الجنازة، والتحقوا بالمستشفى ليجدوا المريض وقد تعافى. كل ما قدمه الأطباء بعد ذلك من تعليلات لما حدث، لا تبتعد كثيراً عن تعقيدات الحالات الطبية المشابهة، حين وصفها أحدهم بكونها حالة نادرة تدعى “متلازمة اعتلال الدماغ الخلفي” وأن شيئا من هذا القبيل قد يحدث بسبب ارتفاع ضغط الدم. أما المريض الذي لم يعد مريضاً، فقد وصفها بأنها معجزة لأنه لم يتمكن من أن يجد لها تفسيراً منطقياً.

تجربة الرجل الستيني ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بالطبع، فحالات العودة من الموت تحدث تقريباً في كل مكان وعلى مرّ الأزمنة ولأسباب مختلفة. بين الحقيقة والخيال، أفرط بعض العائدين في تهويل الأحداث التي وقعت لهم بسبب ذهابهم المؤقت في غيبوبة لطارئ صحي، ثم أطلقوا العنان لخيالهم فوصفوا رحلتهم القصيرة إلى العالم الآخر، الممرات المظلمة والضوء الساطع في آخر النفق، المشاهد المهيبة ولقاءاتهم بأقاربهم الذين سبقوهم إلى الموت، قصص مثيرة للاهتمام يترك وقعها في الجسد ملمس تيار كهربائي خفيف، يبعثر اليقينيات ويفتش في الذكريات مثل قط يلهو بكوم من القش، ثم يقلبها رأسهاً على عقب فلا تعود الأمور إلى سيرتها الأولى في أرواحنا القلقة، لكنها قصص يحيطها الغموض وينقصها البرهان.

شخصياً، مررت بتجربة مماثلة بسبب خطأ طبي فأوشكت أن أصل إلى حافة الدرب بسبب نقص الأوكسجين وجرعة مفرطة من المخدر، لكني لا أتذكر سوى لحظات مبهمة كنت أصارع فيها حالة الاختناق بيدي وأظافري التي أعملتها في وجوه الممرضات في غرفة العمليات، ثم ذاب المشهد الصاخب في الضباب، قبل أن أستسلم لساعات طويلة من الغيبوبة ويحل ظلام كثيف وهذا كل شيء.

أتوقع أن يرحل مار قريباً لسبب مشابه أو غير ذلك. لا أعرف ما الذي يدفعني إلى التفكير بهذه الصورة المزعجة، لكن من خلال تجارب مماثلة قرأتها أو عايشت بعض من فصولها، فإن من يصل إلى حاشية الدرب الذي يؤدي إلى النهاية قد يعود إلى الحياة لبرهة قصيرة من الزمن، لكنها عودة مشروطة ربما لإجراء بعض التعديلات ومحاولة إصلاح عثرات الطريق، محاولة لرسم طريق أكثر سلاسة لبلوغ خط النهاية بأقل الخسائر.. ليس لدي فكرة عن ما تكونه هذه الخسائر وكيف يمكننا تلافيها، فلم يعد أحد بعد من الموت ليخبرنا بذلك.

هذا تشاؤم أم يأس؟ لا أعلم حقيقة، لكنني سأتابع رحلة الرجل في حياته الجديدة وأوافيكم بالأخبار!.