ماهر فرغلي يكتب:

الحرب على الحوثيين وجهالة الإسلاميين

إن الحركة التي لا تلمّ بأبسط قواعد الوعي السياسي، ولا تعرف أن هناك خطوطًا معقدة في خريطة العلاقات السياسية وموازين القوى، ولا تدرك ماذا يعني المجال الحيوي للدولة، والأمن القومي للأمة العربية، هي حركة بلا شك فاشلة، مكتوب عليها الإخفاق، هذا بالضبط ما اتضح من مواقف التيارات الإسلامية، عقب حملة «عاصفة الحزم»، فالحماسة للدين شيء، والغياب عما يجري من تقلبات العالم وتحديات التاريخ والجغرافيا شيء آخر.

أثبتت الحرب على الحوثيين الانقلابيين في اليمن بما لا يدع مجالًا للشك، جهالة بعض الإسلاميين بالمنطق وعدم إلمامهم بقواعد الاجتماع وقوانين التاريخ، وأبجديات الجغرافيا وبديهيات السياسة، أو تآمرهم على الوطن، وتقديمهم الجماعة على حبه، كما قسمتهم إلى متآمر على الدولة، أو تيار لا تغدو خطواته ترجمة لما يُمليه عليه الوهابيون، أو داعشي إرهابي، يريد على طول الخط حربًا طائفية يغذي بها إرهابه وتنظيماته المسلحة.

لو بدأنا من الجماعة الإسلامية، سنراها منقسمة كالعادة، فجزء منها يمسك العصا من المنتصف، وآخر مع الدولة، الأول هو الجزء الرسمي من التنظيم بقيادة عصام دربالة، الذي رفض تأييد الحرب، أو معارضتها علنًا، أما الآخر فهم القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية، كرم زهدي، وعلي الشريف، وحمدي عبدالرحمن، وفؤاد الدواليبي، الذين أصدروا بيانًا أيدوا فيه التحالف العربي، والغريب أنهم اعتبروها حربًا مقدسة لحماية المسجد الحرام!

جماعة الجهاد العلنية، وليست تنظيماتها السرية، أعلنت على لسان محمد أبوسمرة، قالت فيه إن التخاذل والضعف والسلمية المقيتة من الإخوان، أكبر حزب سياسي، وميليشيات مسلحة في البلاد، وكذلك التيار السلفي المهادن، هو من مهَّد الطريق للحوثيين، وإننا نبشرهم بأنه سيتصاعد المد الجهادي السني بسبب تلك الأطماع.

ووجد السلفيون الفرصة سانحة فحاولوا إثبات ولائهم للمملكة؛ حيث أكدوا وجود تكليفات لقواعد الدعوة السلفية في المحافظات على العمل لجمع كشوف لأسماء الشيعة الذين يدعمون الحوثيين في مصر، مضيفين أن هناك تنسيقًا بين الائتلافات السلفية المناهضة للتيارات الشيعية؛ للعمل على تسليم الكشوف للأمن الوطني، مشيرين على لسان محمد يسري إبراهيم، إلى أن التدخل العربي في اليمن «واجب شرعي».

وتجاهل الإخوان إصدار أي بيانات أو تصريحات رسمية للتعبير عن موقفهم من الأحداث الواقعة في اليمن، والموقف العربي منها، واكتفت بالتصريحات الشخصية التي تصدر عن عدد من قيادات التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وقفوا ضد الدولة على طول الخط، ولذا فقد أكد القيادي الإخواني جمال حشمت رفضه التام لأي تدخل عسكري مصري في اليمن، وقال إن دور السعودية أكبر بكثير مما تفعله، وهو الإصلاح بين المتخاصمين، ورأب الصدع بين المتقاتلين، وليس الاستدراج إلى دخول ساحة المعارك، فيما انتقد الدكتور محمد محسوب القيادي بحزب الوسط التدخل العسكري في اليمن، مؤكدًا أنه نوع من الإرهاب.

بينما أصر إخوان اليمن على استنكار الحرب، وقال حزب الإصلاح: يأسف التجمع اليمني للإصلاح لما آلت إليه الأوضاع في بلادنا؛ نتيجة لإخفاق الأحزاب والمكونات السياسية في التوصل إلى حلول سياسية، بسبب إصرار بعض الأطراف للجوء إلى استخدام القوة لحلِّ الخلافات القائمة.

تنظيم القاعدة قال في بيان مقتضب، إنها إرادة الله التي لا رادَّ لها، وهي أن ينقلب السحر على الساحر، فبعد أن كان الجميع يقاتلنا في اليمن أصبح الكل يقاتل إلى جانبنا.

وكان موقف «داعش» هو الأغرب، إذ أصدرت بيانًا على موقع مقرب منها، أكدت فيه، أن السعودية وحلفاءها حاربوا الشيعة الحوثيين؛ لأنهم يريدون سحب البساط من التنظيم، لما رأوا انتصاراته في العراق والشام!

دفعت الخلافات الفقهية وخلطها بالأحكام السياسية إلى ضحالة كبيرة في الرؤية، وإلى التمادي في الخطأ، ومن هنا ظهر كل على حقيقته، وبدا أن التيارات الإسلامية على العموم، إما وهابية على طول الخط، وإما داعشية، وإما مجموعة من المنتفعين والمنافقين، الذين لا يراعون للوطن حرمة، وكان أغلبهم عاجزًا عن فهم الحالة كلها، فقد اختلفوا في رؤيتهم للحالة الإيرانية، فبين متهم لها بمناصرة ومحاولة فرض الفكر الشيعي، إلى مؤيد لها بمناصرة الحركات الإسلامية التحررية، مثل الجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني، وحركات أخرى عديدة في آسيا وأفريقيا.

وبدا أن الأمية السياسية هي أبرز الأشياء التي يعاني منها الإسلاميون، وقياداتهم، الذين في أحيان كثيرة لا يعرفون ما يجري حولهم، ولا يحسنون تصنيف الناس، ولذا فهم حركات مرشحة بجدارة للسقوط؛ لأنها تسير عكس منطق الأشياء؛ لأن الدين ليس توظيفًا للفقه فقط مجردًا عن الوعي، بل له علاقة بالبُعدين الواقعي والسياسي والسياق التاريخي.