ماهر فرغلي يكتب:

طالبان وطهران.. ما سر المودة؟

في 21 مايو 2016، بمنطقة بلوشستان، باكستان قُتِلَ الملا أختر منصور، زعيم حركة طالبان الأفغانية، وهو في طريق عودته من طهران، بعد زيارة مكث فيها شهرين، انتهى منها قبل مقتله بأسبوع، حيث أجرى محادثات مكثفة تخللها توقيع اتفاقيات مع مسؤولين إيرانيين، حول عدم انضمام الهيكل الأساسي لجماعة طالبان إلى تنظيم «داعش» مقابل استمرار الدعم الإيراني، حسب ما كشفت وسائل إعلام إيرانية.
الملا أختر منصور
كان عائدًا من إيران حين استهدفته طائرة أمريكية بدون طيار في منطقة حدودية باكستانية في الـ21 من مايو وأنهت حياته، وقتها أعلنت الخارجية الباكستانية أن السلطات عثرت على جواز سفر لرجل باكستاني يحمل اسم والي محمد، في موقع غارة شنَّتها الطائرة بدون طيار مستهدفة زعيم حركة طالبان الملا أختر منصور، وأضافت الوزارة أن جواز السفر كانت عليه تأشيرة دخول سارية لإيران.
كشف حادث مقتل زعيم طالبان السابق عن العلاقة السرية بين الطرفين، والتي لم تعد تخجل منها الآن طهران، وهذا ما أكده رجل الأعمال الأفغاني المقيم في السعودية جلال سيد كريم لـصحيفة «الحياة»، إن مسؤولاً في قيادة حركة «طالبان» الأفغانية سيصل إلى العاصمة الإيرانية خلال اليومين المقبلين لإجراء مفاوضات مع المسؤولين الإيرانيين.
توالت زيارات قادة طالبان إلى طهران، وكانت البداية بالمشارکة فيما يسمى مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد في طهران العام 2012، تلاها افتتاح مکتب تمثيلي لها بالعاصمة الإيرانية.
الجنرال جون كامبل، ذكر في أكتوبر 2015، أن إيران تدعم حركة طالبان، ماليًّا وعسكريًّا، وتقوم بتدريب مقاتلي الحركة وتسليحهم.
وفي فبراير 2016، كشفت السلطات الأفغانية عن عثورها على ألغام إيرانية الصنع، بالإضافة إلى كمية كبيرة من السلاح والذخيرة، في مستودع للسلاح بأحد مقرات طالبان، لدى مداهمته من قبل القوات الأمنية بمنطقة باميان (وسط البلاد).
كما في مطلع العام الحالي كشف حاكم إقليم هلمند الأفغانية أن طهران سلمت طالبان صواريخ إيرانية الصنع لضرب القوات الأفغانية، كاشفًا أن عددًا من الصواريخ العشرة التي أطلقتها طالبان على مقر حكومي في إقليم هلمند لم تنفجر، وتبين بوضوح من خلال الكتابة المنقوشة على هذه الصواريخ أنها مصنوعة في إيران‎.
ووفق موقع الخليج أونلاين، وكذلك تلفزيون الآن في أحد تقاريره المصورة، فقد شهدت الآونة الأخيرة تزايد نسبة العمليات والتواصل السري بين طهران وطالبان أفغانستان، والذي تحرص عليه إيران إلى حدٍّ كبير؛ لتفادي أي تقارب بين طالبان والدول الخليجية، بالإضافة إلى سعي طالبان لاستبدال الدعم الباكستاني بالدعم من دولة الملالي.
موقع «الدبلوماسية الإيرانية» المقرب من وزارة خارجية إيران، أشار إلى أن الحكومة الإيرانية تعتقد حاليًّا أن حركة طالبان أقل خطورة من تنظيم داعش؛ وهو ما جعلها تدعم طالبان رغم العداء المتبادل بين الطرفين، للاختلاف المذهبي، منذ أمد بعيد.
الهدف تعكير صفو العرب
إن آمال إيران التي تلاشت في السيطرة على «باب المندب» بعد تقدم التحالف العربي في اليمن، دفع طهران لتوطيد علاقتها بطالبان؛ حرصًا على تعكير الصفو العام بين الدول العربية وأفغانستان؛ وبهدف مناورة أمريكا، وجعل أفغانستان إحدى أوراق التفاوض معها فيما بعد، بالإضافة إلى التصدي لتنظيم داعش؛ خوفًا من أن ينجح هذا التنظيم في تجنيد أفراد من الأقلية السنية بإيران، بسبب القمع الذي يلقونه من السلطات الإيرانية.
المتحدث الرسمي باسم حركة «طالبان» في أفغانستان، الملا ذبيح الله، قال: إن للحركة «علاقات واتصالات جيدة مع إيران ضمن تفاهم إقليمي»، حسب ما نشره موقع العربية.نت، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وتتوقع طهران أن يبدأ حل المشكلة الأفغانية، وتصبح طالبان ضمن حكومة وحدة وطنية، لذا فهي تأمل أن يكون لها نفوذ الآن معها، ومزيد من النفوذ داخل أفغانستان كلها فيما بعد، خاصة أن دولًا عديدة فتحت قنوات اتصال مع طالبان، مثل واشنطن والصين وباكستان.
وتضغط إيران بنفوذها المتزايد على طالبان، حتى إن التحقيقات التي جرت عقب مقتل الدبلوماسي الإماراتي في قندهار، العام الماضي، أثبت ضلوع طهران في العملية الإرهابية.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إيران دأبت في الفترة الماضية على تقوية علاقاتها مع حركة طالبان سرًّا وبعيدًا عن الأضواء، وهي اليوم تدفع رواتب بعض مقاتلي الحركة، وتمدهم بالسلاح.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أفغانيين وأوروبيين قولهم: إن لإيران هدفين في دعم طالبان، الأول؛ هو مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، والثاني؛ إعطاء نفسها ثقلاً نوعيًّا جديدًا لمنافسة الثقل الذي أصبح تنظيم داعش يحظى به بعد أن امتد نفوذه للأراضي الأفغانية.
وأشارت الصحيفة إلى بعد استراتيجي في الخطوة الإيرانية، ففي ضوء تصاعد النشاط العسكري لطالبان والآفاق الجديدة لمحادثات السلام بينها وبين حكومة كابل، فإن هناك احتمالا بأن تعود طالبان للسلطة عن طريق المشاركة في الحكم.
إيران وطالبان يعملان في السر
في أفغانستان يمكن الشعور بعمق النفوذ الإيراني أكثر من مدينة هرات غرب البلاد، الواقعة على مرمى البصر من الحدود الإيرانية.
نزح 2 مليون لاجئ أفغاني إلى إيران خلال الغزو السوفييتي في الثمانينيات، ويعيش الآن 3 ملايين ويعملون في إيران حاليًّا، وتعد هرات، وفي بعض الأحيان يطلق عليها «إيران الصغرى»، البوابة الرئيسية بين البلدين.
استفادت إيران من وجودها في أفغانستان، واستقبلت الكثير من اللاجئين، وبعدها جندتهم للذهاب إلى سوريا، والانضمام إلى فصيل شكلته لهذا الغرض، وهو (لواء الفاطميون).
ورغم الحالة الملتبسة أيديولوجيًّا مع طهران، إلا أن العلاقات بدأت تتماسك إلى حدٍّ كبير بين الطرفين، منذ افتتاح ممثلية للحركة في مدينة مشهد بداية 2014، بوساطة من الدوحة.
في تصريح صحفي قال نبي أحمدزاي القائد السابق لشرطة الحدود الأفغانية: إن إيران تدعم طالبان لتعطيل مشروعات التنمية في أفغانستان بما في ذلك سدود المياه، فيما تعاني طهران من نقص حاد في المياه، أدى إلى تفجر احتجاجات في المحافظات الحدودية.