نهى الصراف يكتب:

الطبيعة هي الحلّ

طبيب بريطاني، يقدم نصيحة لمرضاه الذين يعانون من الوحدة وآلام المفاصل! هكذا في وصفة طبية واحدة، وهي لا تبتعد كثيراً عن النصيحة الروتينية التي توصي بالرياضة وتناول الطعام الصحي، لكنها تدخلها من باب آخر طالما كان موارباً مختبئا خلف تراكمات حياتنا العصرية المليئة بالفوضى والضجيج والوقت الذي يركض أسرع من خيول السباق.

أما النادي الصحي الذي يوصي الطبيب بزيارته، فيقع في الحديقة الخلفية للمنزل؛ حيث الغبار وأوراق الشجر المصفرة والأغصان الميتة المتروكة من الصيف الماضي، وحيث أصص الأزهار المتداعية والمساحات الجرداء المهجورة.

فلماذا لا نعقد النية ونبدأ الصباح الجديد بتنظيف المكان وتهيئة الأرض للبذر والزرع؟

يعتقد هذا الحكيم أن الوصفة الجديدة التي تقدّم لمرضاه الذين سئموا من الوصفات الطبية الجاهزة وآلام المفاصل التي تدق أجراس إنذارها كطبول على رؤوسهم في منتصف الليل، وحياتهم الموزعة بين وجع المعدة بسبب الأدوية ووجع القلب بسبب اليأس، قد تكون أكثر جدوى فتتحول إلى النقيض تماماً. هذه الوصفة، لا تشبه طبعاً الكذبات التي يروجها من يدعي الاختصاص باللياقة البدنية وبرامج الحميات الغذائية، فهي أكثر واقعية ولا تقدم وصفات سحرية وسريعة، على العكس تماماً، فهي توصي بالخطوات البطيئة والتدريجية على أنغام الموسيقى وبصحبة كوب صديق من الشاي.

يمكن للمرضى زراعة الكرنب، القرنبيط، الطماطم، الجزر والفجل وأي نوع يخطر في بالهم من الخضروات والفواكه، ثم الاستمتاع بمشاهدتها وهي تنمو وتزهر لتصنع طبقاً شهياً من السلطة أو تدخل في تكوين صحن من الشوربة اللذيذة. هذا كل ما نحتاج إليه للتغلب على الوحدة وآلام المفاصل؛ الزراعة في الهواء الطلق، على أن يسير هذا المنهج الطبيعي إلى جانب العلاجات الطبية التقليدية، فلا غنى لنا بعد ذلك عن العلم وعقاقيره.

يعتقد هذا الطبيب أن بعض مرضاه قد يعانون من العزلة والوحدة بسبب المرض، ويمكن أن يكونوا قد أصيبوا بأزمة قلبية أو مشاكل في المفاصل لذلك يخشون من معاودة ممارسة التمرينات الرياضية أو حتى أنهم ملوا من برامج الحمية المملة. كل هذه المشاكل يمكن اختصارها في حلّ واحد هو الطبيعة. ولمن لا يمتلك مساحة كافية في حديقة منزله، فإن بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات المجتمعية ذات الأهداف غير الربحية تولت بالتعاون مع جهات رسمية توفير مساحات مخصصة لذلك، موزعة في قطع صغيرة تمنح كل قطعة لمريض من المرضى الذين تم انتقاؤهم من بين قائمة طويلة من مرضى يعانون من بعض مشاكل الصحة العقلية كالاكتئاب، إضافة إلى المرضى الذين يقضون فترة نقاهة من الأمراض القلبية والعصبية والعضلية.

يشعر المرضى في هذه المساحات الخضراء الصغيرة، بأنهم عائدون تدريجياً إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، وحتى من أقعدهم المرض على كرسي متحرك، فهم سيجدون ضالتهم حتماً في زيارة هذه الأماكن والتمتع بتقديم المساعدة والعمل في الزراعة ومراقبة الخضروات وهي تنمو كل يوم، وهذا كفيل بتعزيز صحتهم العقلية والجسدية على حد سواء.