ماهر فرغلي يكتب:
الكراهية وحادث نيوزيلندا
هناك عدد من الجوانب تتعلق بما جرى في نيوزليندا، والهجوم على المسلمين، الذي أودى بحياة أكثر من 40 شخصًا، وهي ما تتعلق بالبيئة والإعلام الذي يربط دائمًا بين المسلمين وأي حادث إرهابي، كما يربط بينهم وبين معاداة السامية، دون دليل واضح.
لقد انتشر خلال العقدين الأخيرين أيديولوجية وسلوك الجماعات الإسلامية المغالية من جهة، والإرهابية من جهة أخرى؛ ما دفع إلى المغالاة في التوجهات المتطرفة المعادية للإسلام، وانخفاض سقف التسامح في المجتمعات الغربية، وظهور أوساط سياسية واجتماعية متخوفة من الإسلام.
أصبحت الكراهية المتبادلة بين القطبين المتطرفين، الأوروبي والإسلاموي، وقودًا للإقصاء المتبادل، فضلًا عن الامتدادات العابرة للأوطان، والتداعيات الناجمة عن أعمال الجماعات الإرهابية، وبعض سياسات القوى الكبرى الغربية في أجزاء من العالم الإسلامي، ومن ثم وجد المسلمون أنفسهم بين مطرقة القوى اليمينية المتطرفة وغير المتطرفة المعادية لهم، وسندان الجماعات المتطرفة والإرهابية، وفق ما كتبه د. عبدالنور بن عنتر، في مجلة السياسة الدولية؛ إذ يقول:
«الفئة الأولى لا تعدّهم في أحسن الأحوال أوروبيين بما فيه الكفاية، وفي أسوأ الأحوال جسمًا دخيلًا على النسيج الاجتماعي الأوروبي برافده الديني والحضاري اليهودي - المسيحي، بل وجماعة متطرفة تريد فرض معتقداتها الدينية، وتغيير هوية المجتمعات الأوروبية، أما الفئة الأخيرة، فترى أنهم ليسوا مسلمين بما فيه الكفاية؛ لتعرضهم لعوامل التعرية الحضارية، والدينية، والهوياتية؛ بسبب اندماجهم في المجتمعات الأوروبية، مُنَصِّبة نفسها وليًّا عليهم لإعادتهم إلى «الطريق المستقيم»، ساعية لدق إسفين بينهم وبين المجتمعات الأوروبية التي هم جزء منها».
وهنا بيت القصيد بالنسبة للجماعات الإسلامية الإرهابية المعادية للغرب عمومًا، فباستهدافها رموز حرية التعبير، أو نمط العيش الغربي باسم الإسلام، تمنح حجة قوية للمعادين للمسلمين، ومن ثم، لم يعد اليمين المتطرف الأوروبي بحاجة إلى برامج دعائية وإقناعية لتعبئة الأوروبيين، فهناك من ينوب عنه وباسم الإسلام، والحقيقة أن التطرفين الإسلامي والأوروبي (اليمين المتطرف) يغذي ويتغذى كل واحد منهما من خطاب وسلوك الآخر، ولهما مصلحة متبادلة في تغذية الاحتقان السياسي والاجتماعي، والمشكلة أن اقتناعات اليمين المتطرف بدأت تلقي مزيدًا من التقبل في أوساط واسعة من المجتمعات الأوروبية، وكل ذلك أدى بالنهاية إلى العنف بأوروبا.
السبب الأهم هو انتهاج الدول الغربية سياسات الدمج أو التذويب للهوية، فعلى أثر تراكمات تاريخية في حقل المفاهيم الأمنية للهوية، تكونت قناعة شبه ذاتية لدى غالبية عناصر الرأي العام الأوروبي بأن التعددية الثقافية هي بالفعل مشكلة بنيوية ذات ثقل ضاغط على توازن أوروبا الداخلي، وقد تحددت الإشكالية في صعوبة دمج المجموعات المهاجرة في أنظمة المجتمعات الديمقراطية، خاصة أولئك الذين تحدوهم عقائد تشددية، ويحتشدون في أشكال تنظيمية لا تتلاءم مع النهج الديمقراطي للمؤسسات الأوروبية، وفي مواجهة جملة التحديات التي تثيرها الهجرة في بعدها الثقافي؛ ما يؤدي إلى إرهاب يميني.
المرجع