ماجد السامرائي يكتب:
محاربو الفاسدين لن يخذلهم شعب العراق
قصة الفساد في العراق لا شبيه لها في العالم لا من حيث الحجم والخطورة ولا في النوع، ولا في طبيعة البلد الثريّ في أمواله واقتصاده، ولا في تشابك وتفاعل الفساد المالي والسياسي وخطورته. الأرقام أذهلت جميع متابعي الشأن العراقي. دخل الخزينة العراقية للسنوات العشر الأولى بعد عام 2003، 530 مليار دولار وحال العراقيين يبكيه القاصي والداني، فيما دخل خزينة العراق لأحد عشر عاماً ما بين 1992 و2002 مبلغ 66 مليار دولار فقط، وكان المواطن يأكل ويشبع من البطاقة التموينية.
الفساد في جميع مرافق الحكومة التي تذهب نسبة 80 بالمئة من ميزانيتها كنفقات لرواتب العاملين فيها بينهم فقط داخل المؤسسة العسكرية، 50 ألف جندي “فضائي” حسب تصريح رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وأعداد أخرى في الوظائف المدنية وبينها المتقاعدون الفضائيون.
فساد في حركة بيع الدولار وفي جميع واردات العراق كالجمارك، هناك نهب عام سيتحول إلى أمثال للأجيال العراقية القادمة، مثلما تندروا حول “خراب البصرة” سيستذكرون “خراب العراق” ومع ذلك فمتعاطي السياسة العراقيين لا تقلقهم هموم الناس وآهات الثكالى وأنين اليتامى الذين تجاوز عددهم الثلاثة ملايين، أو بطالة الشباب التي وصلت نسبتها إلى 40 بالمئة حسب صندوق النقد الدولي، ويدعي هؤلاء أن الشعب اختارهم في صناديق الاقتراع، ولو كانت هناك منظمات دولية صادقة كممثلية الأمم المتحدة في العراق لأعلنت بطلان انتخابات 2018 الأخيرة حيث ذهب لصناديق الاقتراع أقل من نسبة 20 بالمئة من الشعب.
المواطن العراقي لم يعد مصغيا لهذه الحقائق ولم يعد مكترثا لدعوات محاربة الفساد من قبل الحكومة، إلا بعد أن يشاهد ويسمع بأسماء كبيرة تتساقط وتأخذ طريقها للسجون، أما دعوات السياسيين بمحاربة الفساد فقد تحوّلت مسرحياتها إلى ميدان للتندر وإلى التأشير بأنه غالباً ما يكون بعض هؤلاء الأدعياء هم متورطون في الفساد أكثر من غيرهم. وحتى ملفات التحقيق أو الاستجوابات تخضع إلى صفقات التغطيات المتبادلة بين الأحزاب ذاتها.
غالبية البرلمانيين تحوّلوا إلى “جباة” قساة للمنافع خصوصا في الوزارات الدسمة، ولهذا السبب نرى كيف تتعقد تسمية وزراء لها. ومكاتب المفتشين العامين في الوزارات تحت وصاية الوزير وبقاء مديرها العام رهن برضاه، ومنظمات المجتمع المدني لا تنشر أي بيانات موثقة يمكن الركون إليها، كما أن وسائل الإعلام النزيه ممنوعة من الوصول إلى مصادر المعلومات، ومعظمها تابع لحزب أو كتلة سياسية هدفها الترويج لهذه الأحزاب، وجزء من وسائل الإعلام التي تدعي الاستقلالية تعتاش على ابتزاز الفاسدين بغية الحصول على نصيب في الغنيمة.
معروفة آليات وصول هؤلاء الفاسدين أو الذين يتحوّلون بسرعة إلى هذه الوصفة المخزية عبر الأحزاب الكبيرة المتحكمة حيث لديها مقترحاتها في توزيع مناصب الرئاسات الثلاث (الرئاسة والبرلمان ومجلس الوزراء) التي تقررها صفقات التفاهم الخارجي النافذ في العراق، لكنها تدير صفقات دخول المنتسب أو الموالي لها في دواوين الحكومة أو تحت قبة البرلمان، ولهذا تطلب منهم أن يبقوا عبيدا لها ومن يتمرّد أو يحاول أن يكون نزيها سيتم إقصاؤه وقد يصل الحال إلى تصفيته بعد تلفيقات مريبة بالسرقة أو الفساد أو الإرهاب.
وهذا السيف أصبح في هذه الدورة البرلمانية والحكومية يشمل الرئاسات الثلاث، لأن هذا الثلاثي الذي تحقق لأول مرة منذ عام 2005 في قياسات الولاء الحزبي، رئيس الجمهورية مرشح ومدعوم من قبل الحزب الوطني الكردستاني، ولا يحظى برضا الحزب الكردي الرئيسي (الديمقراطي) ورئيس البرلمان رغم أنه مرشح إحدى الكتل السنية النافذة لكن يبدو قد رفعت عنه الرعاية. ورئيس الوزراء قصة مجيئه معروفة حسب توافق الكتلتين الرئيستين “فتح وسائرون” ورضا إيران، ولا ظهير حزبي له وإحدى الكتلتين لديها تحفظات جديدة حوله وحول كابينته الوزارية.
شكليات تمرير صفقات التغيير المناصب الأولى جاهزة على المستوى المحلي لكنها بحاجة إلى رعاية من النافذين (طهران وواشنطن) مع ذلك فنتائج مثل هذا الحراك المريب ما زالت مبكرة، وقد تسبقها الحالة التي يتحرك من خلالها كل من رئيس البرلمان ورئيس الوزراء، لأن رئيس الجمهورية يظل من دون سلطات تنفيذية.
هل سيتمكن الرئيسان، التشريعي والتنفيذي، من تجاوز ظهير الأحزاب والعبودية إلى أن يصبح الشعب ظهيرهما عبر تحقيق خطوات عملية ترفع عنه بعض الأثقال التي كسرت ظهره. يمكنهما ذلك لكن الوقت أمامهما ضيق، ولدى كل منهما من خلفيات النزاهة ما يؤهلهما لذلك. وهنا يظل للشجاعة السياسية والشخصية دور في الخطوات الجريئة لصالح الشعب.