د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
اليمن بين الماضي والحاضر والمستقبل !!
اليمن اليوم عالق بين عراقة الماضي وانتكاسات الحاضر وضبابية المستقبل!!
و يتردد في ربوعه بشكل مبالغ فيه التغني بأمجاد الماضي ...ونجد تلك الظاهرة منتشرة حاليا في المجالس وفوق أعمدة المنابر ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهذا يعبر عن شعب يعيش في حاضر مأزوم وحروب مستمرة وفشل حضاري وانكسار نفسي.!!
في اليمن امة تبحث في حاضرها المظلم فلا تجد لا الحاضر ولا المستقبل !!
وإذا وجدته لا تجد فيه إلا القتل والدماء والتمزق والانقسام حتى أصبحت في قاع الحضارة الإنسانية في هذا القرن.
إن ألآم الحاضر الأسود في اليمن بكل ويلاته أنتج ثقافة التعويض بذكريات الماضي التليد وأصبح الكثير منا يتسلى به كما تتسلى ((الأرامل بأيام المرحوم))!!
الذي قضى وانتهى عمره ولن يعود!!
وهذا يكرس ثقافة البكاء على الأطلال دون معالجة فشل الحاضر أو التخطيط للمستقبل وسط هذه الأزمات والحرب الطاحنة في اليمن التي تدخل عامها الخامس دون رؤية تخرج هذا الشعب من نفقها المظلم!!
فهل تجمد الزمن وتوقفت مساراته أم أن الخلل فينا نحن؟؟
و عندما نبحث عن حلول لواقعنا المزري الأليم ويجلس الكثيرون منا يمضغون أعواد القات وتحلق بهم النشوة في عالم الأحلام حتى يخيل إليهم أن ((السلف)) كانوا أفضل من ((الخلف))!!
وان لا رجاء ولا أمل في هذا الجيل بينما جيل الحاضر فشل في إصلاح نفسه وفشل في رسم مستقبل أجياله القادمة وفشل في علاقاته مع جيرانه وأشقائه وفشل في الاحتماء بعروبته ...وفقد بوصلته حتى ضاعت عليه الجهات الأربع الأصلية ولم يعد يميزها وضل طريقه.. وأصبح خارج الحاضر والمستقبل بل وخارج الزمن !!
وتهيمن على مقدراته أقلية صغيرة تدعي الانتساب لآل البيت وتريد اغتصاب الحكم واحتكاره لنفسها وكأنه صك الهي هبط عليها من السماء ..واستدعت جذورها وأصولها واستقوت بهم .. وهي أصلا لا تنتمي لليمن وليست من أهله بل استوطنته وتريد استعباده من جديد !!
إن الحضارة اليمنية القديمة ينطبق عليها كسائر الحضارات الأخرى التي سادت ثم بادت ولعل خير مثال على ذلك هو:
أن دولا مثل اليونان وحضارتها الإغريقية العريقة ...وكذا ايطاليا وروما عاصمة الدنيا التي أدهشت الدنيا بحضارتها التي سادت العالم القديم !!
واسبانيا وحضارتها في عصر النهضة العربية في الأندلس عندما كانت مركز إشعاع الحضارة والعلوم في حين كانت أوربا في العصور الوسطى غارقة في دياجير الظلام !!
كل تلك الدول كان لها ارث تاريخي وعمق حضاري وحققت في الماضي انجازات كثيرة ولكنها اليوم تراجعت وأصبحت في آخر صف الحضارة الأوربية !!
وبالمقابل هناك دول نهضت كالفينيق من العدم مثل: أمريكا- استراليا- سنغافورة -كندا - نيوزلندا والبرازيل أو ما تعرف بالعالم الجديد ...ليس لها ماض عريق ولم تجد أمامها إلا خيار المستقبل وصنعت لها أمجادا في حاضرها وسابقت الزمن لبناء مستقبلها ليس لها وحدها فقط بل للبشرية جمعاء!!
لن ندخل في الأعراق والأنساب في اليمن ولن نحيل انكساراتنا إلى خلط الأنساب
كما يدعي السلاليون ويصرون على تفوقهم العرقي وأنه سبيل الخلاص للخروج من أزماتنا إذا حكمونا !! ... فهم لا يختلفون عن أصحاب العرق الأزرق والدماء الآرية العنصرية التي فشلت ممارساتها وسقطت دولها وحكامها !!
ففي أمريكا خليط من كل قارات الدنيا وأنجزت حضارتها بعيدا عن الأنساب وهي التي هاجر إليها أو ولد على ترابها أجيال من كل الشعوب والأعراق !!
واستطاعت تلك الأمم المتعددة الأعراق أن تبني نهضتها بالتصالح والتعايش فيما بينها بعد أن عاشت عشرات السنين من العنصرية والحروب العرقية بين مكوناتها وتلمست طريق الخلاص حتى استطاعت أن تنهض بل وأصبحت في طليعة كل الأمم !!
بينما نحن لازلنا نتغنى بأننا أصل العرب وأننا مهد الحضارات وان أجدادنا فتحوا المدن والأمصار وحملوا رايات الإسلام الخ ... وهذه حقائق تاريخية لا ننكرها ولكن ليس معنى ذلك أن نستجر أحداثها كلما شربنا الماء أو تنفسنا الهوا ء لمداراة عجزنا وفشلنا في بناء حاضرنا وصنع مستقبلنا !!
..وأصبحنا عاطلون خاملون نستجر بطولات الأجداد والزمن الجميل !!
و لا بأس من إعادة النظر في الماضي واستخلاص العبر منه ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يقول : أين موقعنا بين الأمم والشعوب!!؟؟؟
أعتقد جازما أننا أصبحنا في ذيل القائمة!!
فنحن من يصنع الكوارث ويجلب الفتن لبلادنا ونغالط أنفسنا بالأوهام والأكاذيب وندعي أننا أهل الحكمة والإيمان وأننا أحفاد الأنصار ومن نصر الرسول صل الله عليه وسلم بينما نجد أن البعض منا قد خرج عن هديه وسنته وامتطينا الطائفية والسلالية ونقتل بعضنا ونستعين بدهاقنة الفرس الذين دمروا البلاد والعباد واستحضروا أحقادهم التاريخية وسقوط عرش كسرى للثأر من معركة القادسية في العراق وتحت راياتهم السوداء غزو لبنان وسوريا ويحاولون اليوم تدمير اليمن وقد اتبعهم الضالون من شعبنا اليمني وهم فئة صغيرة وشرذمة خبيثة تنهش اليمن كالطاعون وتزرع بيننا الفتن وتتسلق رقابنا وتصنف نفسها بالقناديل وتنعتنا بالزنابيل ..بينما نحن غافلون ولازلنا نتمدد ونسترخي .. نمضغ القات ونستجر عصارته ونلوكه كالبهائم أو نتخندق في متاريسنا ونقتل بعضنا البعض ونموت وفي أعطاف ثياب أبنائنا صكوك الحوثي وفي متاريسهم حبوب الهلوسة التي تسلب العقول ويلقون بأنفسهم في جحيم الموت والهلاك في معارك خاسرة !!
إن تعاليم ديننا الحنيف و قيمنا الحالية ووعينا وثقافتنا تستوجب منا معالجة الذات ومراجعة انتكاسات الحاضر والخروج منها... وليس التغني بأمجاد الماضي الزاهر الذي لازلنا عالقين فيه ..لأننا مفلسون في الحاضر وليس لدينا رؤية للمستقبل وسنظل عالقين بين زمنين وهذا يعني فشل في الحاضر والمستقبل معا !!
وختاما إلى متى ونحن نبكي على الأطلال ونقتل بعضنا بعضا ؟؟ ولمصلحة من ؟؟!َّ!!ّ
و هل سنظل عالقين في الماضي لأننا فشلنا في صنع حاضرنا ومستقبلنا؟؟ !!
د.علوي عمر بن فريد