سمير اليوسفي يكتب:
قطرنة الإصلاح
طَرد "قطر" من التحالف العربي قبل عامين لم يَكُف أذاها عن اليمن، كما توقع كثيرون، بل أعادها لموقعها الطبيعي الداعم لحركة الحوثي والتقريب بينها والفصيل التابع لها في تجمع الإصلاح، كما فعلت عام 2011 في ساحات التظاهر.
وقد دشنت ذلك بانقلاب تغطياتها الإعلامية للحرب على الحوثيين رأساً على عقب مع استضافة قياديين منهم في قناة "الجزيرة".. وافتتاح مكتب في صنعاء لفضائية "العربي" التي كُلِّف عضو الكنيست الإسرائيلي حتى عام 2007 “عزمي بشارة" بتأسيسها والإشراف عليها.
كما عملت على إشعال الخلاف بين الحوثيين والزعيم صالح، ووجهتهم باستفزازه وتضييق الخناق عليه. وبعد أربعة أشهر من التخلص منه تكفلت بنفقات تأسيس وتشغيل قناتي "الهوية" و"اللحظة" لصحافييّن لعبا دوراً كبيراً في تأجيج الصراع الذي أدى لانتفاضة ديسمبر، وصارتا مُتخصصتين في رأب التصدعات بين الحوثة والإصلاح، ولا يحتاج من يتابعهما لنباهة وفطنة لاكتشاف ذلك.
وتشتغل الفضائيتان على نفس الخطاب الذي أصبحت "توكل كرمان" تُجاهر به بعد أن مهدّت باختلاق المُبررات له منذ أواخر 2015، وكانت قد بدأت بتكذيب رواية إنكار الإصلاح بعدم ارتباطه بحركة الإخوان.. وأعلنت بتحدٍ أنّها إصلاحية اخوانية.
غير أنّها لا تزال تتجنب نشره في فضائية "بلقيس" التي أسستها لها قطر في 2014 -بعد ثلاث سنوات من تقديمها طلباً بذلك عبر "مركز الدوحة لحرية الإعلام"، وفقاً لما نشره موقع "مأرب برس" منتصف أكتوبر 2011- وألحقتها بمؤسسة خيرية باسمها.
وفِي إطار توزيع قطر للأدوار بين صنائعها هيأت "بلقيس" لاستيعاب من يُطلق عليهم "الإصلاحيون الجُدد" فيما وجهت فضائية "يمن شباب" لتكون مُعبرة عن سياسات وتوجهات الإصلاح الرسمية.
كُل ذلك أوصل رسائل سلبية للتحالف بأنّ الإصلاح يُقدم رِجلاً ويؤخر أخرى قبل الشروع بقطع ارتباطه بتلك الإمارة الأمارة بالسوء لليمن ودول المنطقة. كما خلق حالة من التوجس والريبة لدى السعودية والإمارات إزاء مختلف مواقفه.
والمؤسف أنّه قابل شكوك الدولتين بمزيدٍ من التوتر لقناعته بأنّه بذل ما بوسعه لإثبات صدقيته وجديته وينبغي عليهما التسليم بها ودعمها. وتعامل باقتناع مع التكهنات التي تزعم أنّ من أهداف عاصفة الحزم القضاء عليه وإنهائه باعتباره ذراع الإخوان المسلمين في اليمن بعد نجاح الآلة الإعلامية الضخمة لقطر في الترويج لها، وساعدها في ذلك مُضي أربع سنوات على بدء الحرب دون استكمال التحرير.. وتوسعت شُقّة الخلاف مع نشر تقارير صحافية موجهة أكدّت أنَّ تأجيل التحالف لتحرير محافظة تعز التي باتت من أكثر المُحافظات جهوزية للحسم بسبب ما يشاع عن نفوذ الإصلاح فيها وسعيه للتفرُد بالسيطرة عليها، وَكُلما أخرج مظاهرة حاشدة سخروا من كثرتها وعيّروه بأنّهم كغثاء السيل.
وعليه فقد نجحت قطر في إرباك الإصلاح وتحويله إلى خصم مضطرب وقلق على وجوده سواءً في حال استمرار الحرب أو انتهائها.. وانتقلت للمرحلة التالية بتحريضه ترغيباً وترهيباً للتحول لضفة الحوثي "ليسيطرا على الجزيرة العربية كُلها أو سيُقضى عليه في حال بقي في صف التحالف"، كما غرّدت "كرمان" بعد مظاهرته السبت الماضي في تعز.
والأكيد أنّها لم تعد بمفردها، وإنما تُمثل قطاعاً كبيراً داخل تجمع الإصلاح، مُعظمه من الشباب، وتحسباً لذلك اكتفت قيادته بتجميد عضويتها.. مع أنّ هذا الإجراء مثل الذي يعالج نهش السرطان لجسمه بتعاطي المُسكنات.