عمر علي البدوي يكتب:

رهانات الرياض في التقارب مع بغداد

لم يتحمل المرشد الإيراني علي خامنئي صورة الوفد السعودي وهو يزور العراق ويشد من عضد الحكومة المنتخبة شعبياً لتعبر عن آمال وطموحات العراقيين، ويتجول بأريحية بين مدنه ومعالمه، في خطوة اتخذتها الرياض لزيادة الجدية في نيتها مد جسور التواصل والتعاون والاهتمام ببلاد الرافدين بعد سنوات من الجفوة والابتعاد وانحسار الحضور العربي لديها.

وأدلى خامنئي بتعليقات انتقد فيها التقارب السعودي – العراقي، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي الزائر عادل عبدالمهدي، وقال إن التقارب السعودي – العراقي لا يعكس حقيقة موقف الرياض.

يتحدث خامنئي من موقع أنه الجدير بإدارة المشهد العراقي، وإن كان الدور الإيراني مؤثر في بغداد نتيجة عقدين من الحفر في أعماق الحالة العراقية التي تُركت نهباً لميليشيات قاسم سليماني، لكن السياسة مهيأة باستمرار للتحولات الجذرية، وعصية على الاستقرار بوتيرة واحدة. تشعر إيران وهي التي تتعرض لأقسى مراحل المواجهة مع المجتمع الدولي، أن الأرض العراقية تهتز تحت قدميها بحضور سعودي يمثل طليعة دور عربي أخذ يتنامى ويترجم إلى خطوات عملية جادة وجلسات عمل ولقاءات من أعلى المستويات بين البلدين.

ولعل خامنئي إذ يعلّق وينتقد، يريد بذلك أن يكبح جماح هذا التطور اللافت في العلاقات، ويعرقل زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء العراقي إلى الرياض ستمثل ذروة التعبير عن الانسجام والحرص على تطوير العلاقة مع الحاضنة العربية. إذ حلّ تقريباً نصف الحكومة السعودية ضيوفاً على بغداد، أكثر من 100 شخصية على مستويات عالية من وزراء ومستشارين وشركات وأصحاب قرار، “حاملين معهم همّ العراق العربي والوقوف معه ودعمه بمشاريع عملاقة، عكس إيران التي أتت للعراق تطالبه بدفع تعويضات الحرب والوقوف معها ضد أميركا” كما تقول نخبة العراق المتشوّفة إلى دور الرياض ودورها الحيوي الراهن.

هل الحكومة العراقية تبدو قادرة على الذهاب بعيداً مع الرياض وبقية العواصم العربية، بما يخصم من نفوذ ظهران في بغداد؟ إذ لا يعول بعض المعلقين والعارفين بالمشهد العراقي على قيمة هذه الجهود في تحقيق توازن فاعل داخل بغداد، في ظل ما تمتلكه طهران من مقام وحضور عميقين.

تراهن الرياض على فعالية إصلاح سوء الفهم الذي نشأ نتيجة الفجوة المتروكة منذ مدة، وكان عائقاً دون أي فرصة للتقارب، تغذيه بعض التيارات المحلية التي كانت تغالي في الولاء لإيران وتنفّر من السعودية.

تغير ذلك منذ رحيل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد انسداد الأفق العراقي نتيجة سياساته المتشنجة والعمى الأيديولوجي الذي كان يقوده، وأودى بالعراق في جرف انهياري، وصل قاعه بانتشار الحالة الداعشية في طرف العراق الشرقي.

تراهن السعودية على وعي الشعب العراقي الذي اكتوى بجحيم السيطرة الإيرانية، وانفجر في وجه نفوذ طهران ووكلائها المحليين لحظة انتفاضة البصرة التي أحرق خلالها علم إيران، وأحرقت القنصلية الإيرانية كتعبير شعبي صارخ عن الضيق بدور طهران وميليشياتها المؤدلجة.

تراهن الرياض على تقوية الخيارات المعتدلة داخل الطيف العراقي الواسع بالأفكار والانتماءات، وتمد اليد العربية التي كُفت منذ الغزو الأميركي بما حقق لطهران أفضل صيغة لدس نفوذها في بلاد الرافدين، أما والسعودية تقود قاطرة العودة العربية إلى حاضرة الرشيد، فإن المشهد آيل للتغير، والخيارات العربية التي انكمشت تحت نير الاستبداد الأيديولوجي لميليشيات سليماني، أصبح بمقدورها الآن أن ترى النور وتبادل السعودية الود والتقدير والتعاون وبناء شراكة مستقبلية تعود بالعراق إلى حضنه العربي وتحرره من قبضة النفوذ الأجنبي.