سمير اليوسفي يكتب:
عيد حزين
هل يتذوق أطفالنا طعم العيد وحلاوته كما كنا، أم انتهت نكهته بانتهاء طفولتنا؟ هذا السؤال يهجس داخلي مع قدوم كل عيد، وينتابني إحساس غريب بأن تلك الفرحة، التي كانت تقفز في وجوه الصغار، غادرتنا بغير رجعة.. مثلها مثل نكهة الأطعمة التي كانت تُعدها لنا أمهاتنا مع إشراقة كل صباح.
لا يزال طعم الخمير أو خبز الطاوة المعجون بالسمن البلدي ملتصقاً بذاكرتي ولم يغادر فمي.. أمّا «الشجور» -وهي نوع من العصيد- فلم تفارق حلاوتها لساني... وأغلب الظن أنّي لم أذق أشهى من البسباس الأخضر المدقوق بالمسحقة في كل المآدب الفاخرة التي عرفتها فيما بعد.
كما أنّ الألعاب التي كنا نلهو بها في العيد، رغم بساطتها، كانت أكثر إمتاعاً وتسلية.
وكانت أعيادنا تبدأ مع الفجر بضرب "الخادم" على الطبل مُفتتحاً طقوس العيد ونحن نلاحقه من بيت إلى بيت حتى تشرق الشمس!! وكم تألمت لاندثار هذه العادة في بعض قُرانا.
أما الشباب فكانوا لا يتعاطون القات، ويمضون وقتهم في اللعب واللهو ورقص «البرع»، وهي رقصة تشبه هرولة العسكر ولها أهازيج خاصة.. وقد يقطع المشاركون فيها كيلو مترات. ففي مديرية "المواسط" في الحجرية -على سبيل المثال- كانت "البرعة" تبدأ من «سامع» مروراً في «بني يوسف» وتنتهي عند مشارف «الصلو» وليس للمشاركين فيها -وهم بالعشرات- من جامع أو سابق معرفة سوى التسلية والترويح عن النفس، ومن فوائدها هضم اللحوم التي لم تكن تتوفر في غير المناسبات والأعياد. وتبخرت تلك البهجة مع انتهاء طفولتنا، وانشغالنا بملاحقة متطلبات الحياة التي لا تنتهي.
صبيحة العيد دققت النظر في عيون الأطفال الذين شاهدتهم، ولم أَجِد فيها ما افتقدته من بهجة وسرور منذ زمن بعيد، فانفطر قلبي حزناً على تلك الأيام الخوالي. ومع أنّ أطفالنا يلبسون أغلى الماركات، وهناك من يشتري له أبواه أكثر من بدلة لكل يوم، وتتوافر لهم الحدائق والملاهي أظنهم ليسوا سعداء كما كنا.. فالسعادة لا تشترى بالمال.. ولأن مشاكل الكبار عكست نفسها عليهم.. وألعاب العيد بلاستيكية ومزيفة مثلها مثل السمن الصناعي... أو الكترونية تشجع على الانطواء.. وتذكرت أن لا فرحة تدوم للأبد.. وأنّ أبي عندما كان يُحذرني كلما شاهدني مبتهجاً «مصيرك من الهم باقي» كان يتحسر على طفولته مثلي الآن..
ومنذ وفاته أدركت أنّ الهموم تزول بخروج الروح أو بالجنون. وتتكاثر كلما كثرت المعارف والمشاغل، ولذلك تطلق صفة «الجاهل» على الطفل في بلادنا لأنّه يجهل الهموم والمتاعب.. والكبار تقودهم المعرفة إلى الشك في كل شيء، وكم كان "أبو حامد الغزالي" محقاً عندما ختم حياته متضرعاً «اللهم ارزقني إيمان العجائز»، واضعاً كل الفلسفات التي تعلمها تحت قدميه.