نهى الصراف تكتب:
العضة بعشرة أمثالها!
يبدو أن وظائف أعضاء الجسم قد تتحور أو تتعدد استخداماتها، تبعا للظروف الاستثنائية التي تمر بها الشعوب المقهورة منها خاصة؛ الأم الفقيرة مثلا يمكنها أن تحمل طفلها الرضيع وتهش عنه الذباب وتمسح دموعها بيد واحدة فقط، ثم تمدّ يدها الأخرى للمارة بقصد التسول لتبقى على قيد الحياة حتى الصباح التالي. الجندي الذي يدوس لغما أرضيا بقدمه اليمنى فيسحقها، يمكنه أن يبدل وظيفة القدم اليسرى لتعمل بطاقة قدمين أو أكثر كي يتعكز عليها بسهولة ساعات طويلة وهو ينتظر قوت أبنائه في أقرب دائرة تقاعد من دون جدوى.
أما الأب الذي فقد عينه اليمنى بسبب طول البكاء على نصف أبنائه الذين ابتلعهم الفقر، فصار بإمكانه أن يستخدم العين اليسرى لقراءة البيانات الثورية للهيئة السياسية التي تطالبه بتقديم ما تبقى منهم قرابين في جبهات القتال ضد أعداء جدد يظهرون فورا في ظروف غامضة، بدلا عن أعداء السنة الماضية. الحاجبان أيضا بفعل العضلات المرنة التي تحيط بهما، يمكنهما أن يعبرا عن دهشة صاحبهما واشمئزازه وغضبه ويأسه من تبدل أهل السياسة الذين طوعوا أجسادهم لتلائم كراسي الحكم طوال الحياة.
طبعا هناك شعوب أخرى في هذه المجرّة تتباين ردود أفعالها ومواقفها تجاه أجسادها، تبعا أيضا للظروف والمواقف التي تستدعي تبديل أو تعديل وظيفة العضو أو الشكل البشري. مثلا قبل أيام، خرج بعض أطباء الأسنان ببحث طريف جدا ولشدّة طرافته فإنه آثار ريبتي فتوقعت أن يكون مزحة كتبها صاحب الخبر في إحدى الصحف المحلية لأنه كان يشعر بالضجر.
في بريطانيا، حذرت “مؤسسة صحة الفم” من سوء تبعات استخدام الأسنان في غير وظيفتها الطبيعية وهي قضم الطعام وتهيئته لعملية الهضم، فقد أظهرت نتائج استطلاع بأن شخصين من بين كل ثلاثة أشخاص في بريطانيا، يستخدمون أسنانهم في أغراض أخرى خارج نطاق وظيفتها الفعلية، مثل فتح عبوات الدواء غير المحكمة، تمزيق ملصقات الملابس المزعجة التي تتسبب في حساسية الجلد، مضغ الأجسام الغريبة، تقطيع شرائط اللاصق أو استخدام الفم والأسنان في الإمساك بمقابض الأبواب في حال انشغال اليدين بحمل أكواب القهوة… وطبعا، هناك هواية قضم الأظافر!
وحذر أطباء من أن الاستخدام متعدد الأغراض للأسنان سيؤدي إلى تحريكها من مكانها أو تلفها ما يشكل خطرا كبيرا على صحة الفم، فضلا عن ذلك، فإن عمليات الإصلاح من شأنها أن تكلف صاحبها مبالغ مالية باهظة.
الشباب من سن 18 إلى 35 عاما، هم أكثر فئة في المجتمع خروجا عن المألوف وهي الفئة التي استهدفها هذا الاستطلاع؛ إذ أن أربعة من كل خمسة شبّان اعترفوا بإساءة استخدام أسنانهم في أداء مهام غير عادية. يشدد متخصصون على أهمية المحافظة على الأسنان وعدم الاستهتار بأهميتها في حياتنا؛ فهي تساعدنا، فضلا عن مضغ الطعام وهضمه، في التحدث وإصدار الأصوات كما أنها تعطي لوجهنا شكله المتوازن.
لكن التحذير لم يشمل الجميع خاصة أولئك الذين ينعمون بحياتهم بالقرب من خط الاستواء المناخي والسياسي، بل أجدني، أنا وأطباء الأسنان، أكثر تعاطفا مع العراقيين مثلا في هذا الطقس الصيفي القاتل؛ فالشمس هذه الأيام تمارس سلطتها الجائرة على الناس لتعضّ أجسادهم كلما خرجوا إلى الشارع، كما أن ساعات الحر الطويلة التي يقضونها في منازلهم في ظروف غير إنسانية بسبب سوء تجهيزها بالتيار الكهربائي، صارت تعضهم هي الأخرى متحالفة مع عضات البعوض والمسؤولين الذين يصرون على أن أجساد الناس ربما تكون قد اعتادت على موجات الحر السنوية التي تتجاوز الخمسين درجة، ولا بأس من إطالة زمن المعاناة.
فلماذا لا يعمد المواطنون المقهورون إلى قضم الظروف القاهرة بدلا عن الطعام؟ ولماذا لا يمضغون الكائنات الغريبة التي باتت تتحكم في مصائرهم ويردون عضات الشمس والبعوض وحلفاؤهما بعشرة أمثالها؟
العضة بعشرة أمثالها… والبادي أظلم!