ماهر فرغلي يكتب:

التنظيم الدولي للإخوان.. الجهاز السري الجديد

هناك محاولات منظمة ومنسقة من (الإخوان) والمنظمات المتفرعة منه تحت مختلف الأسماء والواجهات، للعمل بشكل جديد، وإلى حد كبير تغير الهيكل الجماعة القديم، ليعتمد تنظيمها العالمي الآن على عدة محاور هي: التنظيم الميداني والشبكة والدوائر العنقودية والجمعيات والمساجد والهيئات التعليمية والدينية والمؤسسات الخيرية والانسانية، التنظيم النسوي والشبيبة، التمويل والاقتصاد يضم الشبكة، العلاقات العامة، التمويل والاقتصاد، المستقلون والمؤسسات المستقلة.

كان الإخوان سبقوا هذه الترتيبات باجتماعات معرشخصيات أوربية ناقشوا فيها الخلاف بين الجماعة والغرب، والتعددية، وطبيعة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني أهو ديني أم سياسي، ورأي الجماعة الحالي في المشاركة السياسية للمرأة، وإشكالية الأقليات الدينية غير الإسلامية في الدول الإسلامية.

عقب الربيع العربي، قرر التنظيم الدولي بعدها أن يبدأ خطته الجديدة، وأن يستكمل ما يسمى بالهيئة الإسلامية الجامعة التي تمثل الجماعة وفروعها، وتقسيم المناطق إلى 7 بالترتيب، شمال إفريقيا وتضم مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ثم أوربا، أمريكا الشمالية والجنوبية وكندا، شرق آسيا والباسفيك، وسط آسيا، اليمن والخليج وإيران وأفغانستان، الشام، ووضع مشرف خارجي على كل منطقة، مع استحداث وسائل جديدة للتواصل الفعّال بين المناطق.

في يوم 15 يناير 2013، تم عقد اجتماع للتنظيم الدولي بتركيا، أقرّ فيه تسمية أعضاء الجناح السري الجديد، وتوسيع مجلس شورى التنظيم الدولى، والتوسع لتمثيل المناطق ذات الثقل كالخليج، تنمية الموارد المالية، تطوير جهاز الاتصال والتعريف بالدعوة، تحديد الأوعية والكيانات التى تستوعب جهود الجميع، تبنى ميثاق عالمي للعمل الإسلامى وتفعيله، تحديد آليات التنسيق مع باقى الجماعات الإسلامية المختلفة، وتطوير دائرة العلاقات العامة وإتاحة الفرصة من أجل لقاءات ذات أجندة يسبق التجهيز لها، والتعرف على أفكار ورؤى الدول والمؤسسات والشخصيات المهمة، تقديم بعض شخصيات الإخوان كرموز على الساحة العالمية، والعمل على إنشاء جماعات ضغط بالتعاون مع بعض البرلمانيين الإسلاميين، وبعض مؤسسات الغرب.

صدر عقب هذا الاجتماع قرار في أول مايو 2013، بتوسيع المكتب العالمي، وتفعيل تقسيم المناطق، والتنسيق مع الجماعات الإسلامية المختلفة.

تحديداً في يوم 7 مارس عام 2013، أقام البرلمان الاوروبي اجتماعاً في بروكسيل حضره أبرز قيادات التنظيم العالمي من المغرب والجزائر وتونس ومصر وماليزيا وغزة وتركيا، وحضره قيادات من حزب النور السلفي بمصر، وبعض الخبراء الإسرائيليين، ناقشوا فيه مستقبل الإسلام السياسي ما بعد الربيع العربي، والموقف من التعددية السياسية، والعلاقة مع إسرائيل.

بعد ذلك بسنوات أعلن خالد مشعل في شهر يونيو 2016، رئيس المكتب السياسي لحماس الوثيقة الجديدة لحماس، التي اعترف فيها في البند العشرين بوجود إسرائيل، والميثاق الجديد للحركة، وساعتها قال: إنها أعدت من طرف أكبر مكتب محاماة في لندن، يقصد مكتب توني بلير.

عقب سقوط مرسي اجـتمع في إسطنبول بِتارِيخ /13/14 يوليو2013 أعضاء من الدولي في فندق هولِيداي (holiday inn) بالقرب من مطار كـمال أتاتورك، وكان مقرر الجلسة هو التونسي راشِد الغنوشي نائب الأمين العام للتنظِيم الدولي وعضو اللجنة الاستشارية الدائمة وأحد أعضَاء لجنة الحكماء الـمنبثقة عن اجتماع التنظيم الدولي في 2008، محمود حسين الإبياري، علي محمد أحمد جاويش، إبراهيم المصري، المراقب العام لتنظيم الإخوان اللبناني (الجماعة الإسلاميّة)، علي باشا عمر حاج، الـمراقب العام لتنظيم الإخوان في القرن الإفريقي، محمد رياض شقفة، الـمراقِب العام لتنظيـم الإخوان السوري، محمد فرج أحمد، القيادي في تَنظيم الإخوان في كردستان، زياد شفيق مـحـيـسن الراوي، الـمراقب في تنظيم الإخوان العراقي، وهو طبيب معروف عاش لسنوات في لندن، وكان مسؤُول الاتصال مع الاستخبارات الأمريكية قبل الإطاحة بصدام حسين، شيخان عبدالرحمن محمد الدبـعـي، القيادي في تنظيم الإخوان اليمني والـمكلف السابق بالأفغان العرب من ذوي الأُصول اليمنية، محمد الهلالي النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح الـمغربية، أقروا فيه خطة الفرع المصري في مواجهة النظام الجديد، وإقرار السياسة الجديدة وهي تحول الإخوان إلى نظام بلا تنظيم خاصة بأوربا وأمريكا ودول الخليج العربي.

أوربا مركز العمل الإخواني الجديد

مع الترتيبات الجديدة أصبحت أوروبا تمثل في خطة الإخوان الجديدة، الحاضنة والملاذ الآمن للجماعة، حيث ستتداخل فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وتجمعها الخطط والأهداف، عبر مؤسسات ومراكز كثيرة.

الخطة الجديدة لدولي الجماعة تعتمد على جعل الجماعة كتيار واتجاه عام، وعلى هذا عرفت الساحة الأوروبية انفصال اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا عن التنظيم الدولي للإخوان، بعد مراجعات قام بها زعيمه السابق، التونسي عبدالله بن منصور، تسببت في خلافات حادة بين الجناح القطبي بزعامة المغربي شكيب بنمخلوف والعراقي أحمد الراوي، والفلسطيني أنس التكريتي، أدت لعزله والإتيان بالتونسي سمير الفلاح، علماً أن هذا الاتحاد يضم المئات من الجمعيات المنتشرة في معظم الدول الأوروبية، ويعتبر الذراع الأوروبي للجماعة، وهذا تطبيق لأسلوب الجماعة الجديد، الذي سيعتمد على الالتجاء إلى التخلي عن مشروع الجماعة العالمي ظاهرياً، مع الاحتفاظ بعلاقات داخلية سرية مع التنظيم، والتحلل من الخطاب الديني القديم للجماعة، لتقديم صورة جديدة عن الحركية الإخوانية.

لقد بدأت مرحلة جيل جديد من الأبناء، وكلهم أوربيون، ثقافتهم مختلفة عن الجيل المؤسس، والآن يتقدمون في الانتخابات، وأغلبهم في احزاب اليسار الاشتراكي واحزاب الخضر ، بل ووصلوا لبعض البرلمانات مثل هولندا والسويد وفرنسا وبريطانيا، وهم يركزون نشاطهم على خلق تحالفات سياسية بأوربا تساعد في تنفيذ مشروعهم.

الشبكة والتنظيم

التنظيم الميداني، يقوده الآن بأوربا سمير فلاح، وهو مقيم بألمانيا، وهو مراقب الجماعة في أوروبا، وراشد الغنوشي مرشد روحي خلفاً للبناني فيصل المولوي.

أما الشأن الديني والاجتماعي، فسنجد الجيل المؤسس لا زال له حضور، مثل أحمد الراوي، وأنس التكريني من بريطانيا، وأحمد جاب الله، وأبوبكر عمر، وعمر الأصفر، وفؤاد العلوي من فرنسا، ومصطفى الخراقيو، محمد الخلفي، وشكيب بن مخلوف بالسويد، وأبو شويمة بإيطاليا، وعماد البراني، ومحمد كرموص بسويسرا.

الملاحظ أنه حدثت عملية توريثية من الآباء للأبناء، سواء في تنظيم الشبيبة الأوربية، أو التنظيم النسوي، على سبيل المثال، الشبيبة في السويد يقودها ابن مصطفى الخراق، ورئيس الكشافة السويدية ابن شكيب بن مخلوف.

هناك أيضاً المساجد والمراكز الثقافية التي تساهم في التأطير الديني للأقليات الإسلامية، ونجد كذلك العديد من المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية التي تُعنى بتمثيل الأقليات الإسلامية لدى السلطات الإدارية في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، وأغلبها محسوب على دول عربية وإسلامية، أمام هذه المشهد المعقد، أخذنا نعاين ظهور تحديات دينية ذات منحى سياسي وإيديولوجي، ساهمت في تعقيد الوجود الإسلامي في أوروبا.

المقصود بالتجليات بالطبع هو الصور المتغيرة دائماً لحركات الإسلام السياسي، والتحولات والتوالد الذي يجري لمنظمات إسلامية طوال الوقت سواء في الشرق أو الغرب، وهو ما أطلق عليه جيل كيبل، الذي التقى الغنوشي الأيام الفائتة، "الثورة الثقافية للجيل الثالث".

إن الشبكة التي يقودها سمير فلاح، ليست معنية بعمليات التمويل، التي لها أضلاع متعددة الآن، أهمها: التجارة في لحوم الحلال، التي تقدم للجماعة ما يوازي 14 مليار دولار، ثم شركات الطباعة والنشر، وتمويل الجمعيات الخيرية والتبرعات، وأرباح العمرة والحج والرحلات المدفوعة مقدماً من قادة الصحوة.

التنظيم النسوي والشبيبة يسيطر عليها الجيل الثالث من أبناء وزوجات القادة، ومنهم على سبيل المثال نوره جاب الله، القيادية في المنتدى الأوربي للمرأة المسلمة، زوجة أحمد جاب الله، تونسي، وهم من صنعوا قضية الحجاب في أوربا، حيث كان المنع في مصلحتهم، فقد أسسوا أكثر من عشرين مدرسة تربوية بفرنسا وحدها، وأكثر من عشرين في السويد بحجة أنها مؤسسات لا تمنع الحجاب، ومؤخراً أقاموا اتحاداً للمدارس الإسلامية ومقره باريس، ويشرف عليه الجزائري مخلوف ماميش، والآن جارٍ تلميع طارق أوربو، الإخواني، لتعيينه بفرنسا إماماً للمسلمين.

أما محور العلاقات العامة والإعلام فهو مكون من شخصيات غير معروفة تنظيمياً، على سبيل المثال فاروق مسهل، عضو ما يعرف باسم المجلس الثوري المصري، وسها الشيخ، ونهال أبو ستيت، ومحمد حمدان، شقيق أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الدوليّة في حماس، وأحد مؤسسي المجلس النرويجي سنة 1993، كمظلة تجمع اليوم 34 مركزا ومؤسسة إسلامية في النرويج، حيث ينضوي تحت المجلس 9من جملة أكبر 10 مؤسسات على الساحة الإسلامية العاملة في النرويج، ومن أبرز هذه المؤسسات: المركز الثقافي الإسلامي الألباني، والمركز الثقافي الإسلامي، والجمعية الإسلامية المشتركة للبوسنة والهرسك، والرابطة الإسلامية في النرويج، مركز التوفيق الإسلامي، إدارة منهج القرآن، مركز جماعة أهل السنة ، وهو من ساهم في شهر مارس 2011، للإشراف على إنتاج فيلم "الحرية..المساواة والإخوان المسلمون" الذي أعده وليد القبيسي.

المستقلون لهم دور كبير في هذه الترتيبات مثل هاني رمضان، والليبي عماد البناني، المعروف بـ"ديناموالإخوان فى أوروبا"، بجانب "البنانى"، فهناك كل من محمد كرموز، وجابر بن أحمد الراوي، والجزائري سلطان بوذرة، الذي يلعب دورًا كبيرًا فى تلك الفترة.

من الخليج لأوربا

الخليج له دور كبير مع جهاز الإخوان الجديد، والكويت هي قلب العمل ومركزه، بتنظيمها الميداني والشبكة، التي أهم تمثيلاتها هي جمعية النجاة الخيرية، الرحمة، والإصلاح، ومؤسسة بيت الزكاة، والهيئة الخيرية، و42 مؤسسة أخرى.

أما قطر فدورها الجديد هو استحداث آليات جديدة لتمويل مسلمي أوروبا خارج الإطار المؤسسي الإخوانى المعتاد، فى إطار محاولة الابتعاد عن الصورة النمطية بتمويل الإسلام السياسي، من خلال استحداث صندوق ANELD بإجمالى مائة مليون دولار، وهو الذي قام بعدة مشروعات باسم ريادة الأعمال للمسلمين بضواحى باريس.

مؤخراً وعقب اجتماع قاده مستشار أردوغان أقطاي يوم 8/3/ 2018 مع قادة الجماعة تم الاتفاق على تغيير أسماء المنظمات القطرية إلى أسماء جديدة مثل قطر الخيرية التي أصبحت (نكتار ترست)، وانسحاب الدور القطري لصالح التركي، الذي سيدير هذه الملفات بشكل مباشر، كما تم الاتفاق على أن يشرف جمال بدوي (كندا) على ملف التربية والتعليم، والسيطرة على كل المؤسسات التعليمية في العالم لفتح الله كولن، عن طريق شرائها، أو منافستها ببديل أفضل، كما يشرف وضاح خنفر على الملف الإعلامي، وأن يقوم عزمي بشارة بجمع ما تبقى من يسار، وافتتاح مراكز بحثية أو شرائها.

وأسست تركيا ما يعرف باسم مؤسسة المعارف، وتم تكليف الإخواني المصري جمال بدوي، مقيم بكندا، بإدارة ملف الهيئات التعليمية.

كما ستدعم تركيا (الديتيب) وهي مؤسسة تركية لإدارة الشان الديني، ومنها يديرون المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والمركز التنفيذي البلجيكي، وعدد كبير من المؤسسات الدينية بهولندا، وأوربا الشرقية.

أما المملكة التي كانت الجماعة تتوغل في رابطة العالم الإسلامي بها، فقد بدأت تعي ذلك، وتم إقالة عبدالله بصفر، وسعد الشهراني، الذين كانا يقيمان للأوربيين مسابقات للقرآن ويستقدمونهم، وينظمان رحلات عمرة وحج، كان يدفع ثمن التأشيرات محسنون خليجيون (خلايا من الصحوة والتيار السروري)، في الوقت الذي تجمع فيه ثمن التأشيرات مرة أخرى بأوربا، ويتم استخدام هذه الملايين في تمويل الجماعة، وهي أكبر وسيلة من وسائل صندوق تمويل التنظيم العالمي.

كما كانت خلايا " الصحوة" الارهابية بعلاقة وطيدة مع موسسات اخوانية أوروبية وبعناصر شبابية خاصة من شمال فرنسا وإيطاليا وبريطانيا تتم دعوتهم الى قضاء العمرة والحج ويتم تجنيدهم لمشروعهم التامري ضد المملكة ودولة الامارات ومصر.

مع الخطر بدأت المملكة تعي كيف توغلت الجماعة في رابطة العالم الإسلامي بالمملكة، والندوة العاملية للشباب الإسلامي (التي لازالت تحت سيطرة الإخوان)، وحين تولي محمد العيسى مسؤولية الرابطة ألغى عقود ألف داعية في أوربا وأمريكا وانهى لذلك اَي صلة للرابطة بالعناصر الاخوانية، وبقيت الندوة العالمية حتى الآن كما هي.

كما أن وزارة الأوقاف الكويتية ألغت سنة 2015 عقود 453 داعية في أورباوالأمريكتَين بتهم تتعلق بدعم الجماعات الإرهابية بتوصية من بريطانيا في الفترة التي كانوا يناقشون فيها إعلان الإخوان إرهابية، وأنهت خدمة الاخواني الدكتور عادل الفلاح، كوكيل عام للوزارة.

هناك أيضاً المعهد العالمى للفكر الاسلامي، الذي بلغت ميزانيته حوالي 2 مليار دولار، والذي كان يشرف على ما يسمى أسلمة المعرفة، وسحب بنك الراجحي السعودي تمويله له عقب المعلومات المؤكدة لعلاقته مع الجماعة، وكذلك علاقاته مع منظمة (كير) في أمريكا الشمالية، و(اسنا)، والجناح الآخر(مؤسسة ماس)، وكل هذه المنظمات الإخوانية اختلفت هياكلها تماماً.

إن الخطة الجديدة التي نجح الإخوان حتى الآن في تنفيذها تحتاج إلى الوعي والإحاطة بكيفيتها، وسبل مواجهتها، بعد أن باتت  تشكل تحديًا طويل الأمد، لأن الجماعة الآن لم تهد بشكلها القديم، فهي نظام بلا تنظيم، وهذا هو الخطر الحقيقي.