جهاد الحجري يكتب:
تكاتف الجنوبيين يفوِّت الفرصة على الاحتلال وأذنابه
من الأخطاء الشائعة التي نقع فيها ان ننسب انتصار عدن الكبير للمجلس الانتقالي وحده، فلولا التكاتف الأسطوري لكل منتسبي الطيف الواسع لقيادات وجماهير الشعب الجنوبي الحر الأبي لما تحقق ذلك.
فالانتصار لم يكن من عمل القيادة الجنوبية المتفق عليها وحسب، بل تلاحمت في انجازه وتمتينه جميعُ القوى السياسية الجنوبية، التي رأت في التفرق وشق الصف جريمة لا تغتفر، في وقت تتكالب فيه فرق الشر لتجهز على حلم الشعب الجنوبي، وتغتال حريته التي حلم بها منذ عقود.
ونستطيع الجزم أن انتصار الجنوبيين في أغسطس الأغر هزم كل المشاريع التي حيكت ضد الجنوبيين منذ يوليو المشؤوم في صيف 94، وكسر شوكة الطامعين في ثروات الجنوب وأحال استبدادهم إلى ركام.
ما يبرهن ذلك هو اختفاء معالم الفتنة المناطقية التي زرعها نظام الهالك عفاش، وسعى من خلالها إلى ضرب الجنوبيين ببعضهم، وابقائهم في صراع مقيت، حتى لا يتسنى لهم التفكير أو الانشغال بمظلوميتهم التاريخية، المتمثلة في سلب دولتهم ومقدراتهم وتحويل ثرواتهم إلى جيوب ثلة فاسدة لم يعرف التاريخ لها مثيل.
وبفضل الله كان الشعب الجنوبي واعياً بحجم المؤامرة، وأدرك في وقت مبكر أن الإحتلال لن يستمر على أرضه إلا بانجرارنا وراء مشاريعه القذرة التي نجح في توطينها في الشمال وظن أن تربة الجنوب ستكون خصبة لمثلها لتنفيذ ماعجز عنه طواغيت الهضبة.
والشعب هنا ليس كالشعب هناك، وثقافة التطرف لا تلائم بيئة الجنوب، كما لا يروق للجنوبيين بفطرتهم السليمة أن يلتحقوا بركب الإرهاب الذي زرعه حزب الإصلاح لسنوات طويلة في عدن وبقية المحافظات بتمويل واشراف دولة الاحتلال، الراعي الرسمي لتدمير الجنوب.
فالفضل يعود إلى أن الشعب الجنوبي عاش ولفترات طويلة جداً مرحلة التنوير ، وتمكن أبناؤه من الحفاظ على ذلك الحراك التوعوي ما أدى إلى قطع الطريق أمام المتربصين بالصف الوطني الواحد.
ومرت السنوات والعقود وأتى اليوم الذي يتحرر فيه الجنوبيون، وكانت إذاً الصاعقة، فقد انتظرت قوى الاحتلال أن يقتل الجنوبي أخاه في شوارع عدن، وتعم الفوضى وندخل في أتون الصراعات الفئوية إلى الأبد. إلا أن ما حدث كان خلاف ذلك كله، فقد اصطف الجنوبي إلى جانب أخيه، ودحروا بيد واحدة قوات الاحتلال اليمنية خلال زمن قياسي بسيط، ونجحوا في إذهال العالم ببراعتهم في إدراك ثقافة الأخوة والمحبة رغم شراستهم المعتادة في كسر عصا المعتدين والغزاة.
ونستطيع أن نضمِّن بعض النماذج على الاصطفاف الجنوبي العظيم، كان أبرزها الاندماج تحت قيادة واحدة، ومبادرة القيادات العسكرية المتواجدة مع الطرف الآخر إلى العودة إلى صف الوطن وتفويت الفرصة على الطامعين في الاقتتال الجنوبي الجنوبي.
وقد ضرب قائد محور العند اللواء ثابت جواس ومن داخل المملكة، المثل الصادق على الوطنية، رغم رهان الأنظمة المتتالية في الشمال على خيانته للقضية الجنوبية.
وعلى نفس السياق، مثَّل انضمام قائد القوات الخاصة في الحكومة اليمنية اللواء فضل باعش صفعة للمتآمرين خاصة وأنه من أبناء محافظة أبين مسقط رأس عبدربه منصور هادي، ما نسف الاتهامات الموجهة للانتقالي بالمناطقية.
ولم يكتف أبناء أبين الأبطال بذلك، بل برهنوا على وطنيتهم الصادقة بانتصار أكبر من سابقيه عندما قدم رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام في مديرية مودية حسين عبد ربه دحه الميسري، استقالته وعدداً من الأعضاء في حزب المؤتمر، والانضمام إلى المجلس الانتقالي الجنوبي .
ومثل موقف الميسري ورفاقه ضربة موجعة للإحتلال بكل أطيافه، خاصة وأنهم انشقوا عن حزب كان له اليد الطولى في المأساة الجنوبية وشارك بالتعاون مع الاصلاح والحوثي الاحتلالين الدمويين لأراضي الجنوب في 94 و2015.
وما ذكرناه ليس إلا عينات بسيطة من المواقف العظيمة التي سطرها أبناء الجنوب خلال أحداث أغسطس الغراء، وأظهرت نموذجاً مشرفاَ للجنوبي الذي يغلب المصلحة العلياء لوطنه الأم على المصلحة الشخصية أو الفئوية الضيقة التي تخدم الأعداء التاريخيين
لأرض وشعب الجنوب.
كل ذلك ليس تقليلاً لدور المجلس الإنتقالي وانما تأكيداً لعظمة نهجه وصوابية نظرته في التفاف الجميع نحو رجاحة تحركاته و عظمة مواقفه .