مصطفى النعمان يكتب:

غياب الدولة قوَّى سلطة الأحزاب والقبيلة وحرف مسار الحرب

خارطة القوى تشير إلى أن امتداد زمن الحرب وتعثرها ثم خروجها عن الأهداف المعلنة التي من أجلها قامت، أدى إلى تضخمٍ في أعداد هذه القوى وتوزع ولاءاتها ومصادر تمويلها واختلافِ أهدافها وتنازع قياداتها، وصار معظم قادتها منشغلين بتكديس ثرواتهم الخاصة والأسلحة تحسباً ليوم قد تنتهي فيه الحرب!

هذا مشهد طبيعي يتكرر في البلدان التي تكون القبيلة هي مكونها الرئيسي، وتغيب الدولة المتحكمة في مفاصلها والقادرة على ضبط التوازنات بحيث لا تطغى سلطة القبيلة على سلطة الدولة.

حتى الأحزاب التي يفترض أن تكون حاملة لمشروع مدني تضطر تحت وطأة الظروف إلى خلق ذراع عسكري عبر تحالفات قبلية تجبرها على التركيز على العمل العسكري، متخليةً عن النشاط السياسي، مكتفية بأدواتها الإعلامية لتعويض هذا الغياب.

بالطبع هناك حالات يكون رأس القبيلة قريباً من رأس السلطة، فيزداد نفوذه وتالياً نفوذها، ويرتفع تمثيلها في مؤسسة الجيش والأمن تحديداً لأنها ليست منشغلة بالوظيفة العامة التي تفرض قيوداً على منتسبيها.

ويلاحظ أن الحاكم نفسه يركز جهده ومحيطه الأسري على هاتين المؤسستين باعتبارهما عماد الحكم في المجتمع القبلي.

حين أنظر الى مشهد أي مفاوضات قادمة، فإني أتوقع طاولة يجلس حولها قيادات مليشيات مسلحة ومعهم المكون الأضعف على الأرض وهو ممثل الشرعية الذي يعتمد لبقائه في صدارة المشهد السياسي على حاجة الإقليم، الذي يمده بما يمنع غرقه، لكنه لا يسمح له بتشكيل قوة تساعده على الحركة الطبيعية المستقلة فتصبح حياته مستمرة عبر توصيلات خارجية ممكن أن تنزع عنه في أية لحظة إذا انتفت الحاجة إليه.