ماهر فرغلي يكتب:

الإصلاح الإخواني والهيمنة على اليمن

بالنظر إلى ما يلخص المشهد في الحرب الدائرة الآن في عدن، التي تمكنت فيها الإمارات من صد هجوم الميليشيات القريبة من جماعة الإخوان، فإن حزب الإصلاح الإخواني تمكن من إقناع السعودية، بقدرته على مواجهة الحوثيين، وصار في السنوات الماضية هو المهيمن على حكومة هادي، وكان يحاول أن يؤسس لنفسه وجوداً تنظيمياً وسياسياً وعسكرياً في المشهد الجنوبي، حيث تمكن من السيطرة على تعز، ومأرب، وافتتح مصرفاً خاصاً له، وبدأ في إدخال الأتراك، بل واستحوذ على المناصب ومراكز النفوذ، وسيطر تقريبًا على قرار الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي، وفقًا لمحللين ومصادر يمنية.

من هنا جاءت تصريحات الشيخ محمد بن زايد التي نقلتها وسائل إعلام كثيرة، أن الإمارات لن تسمح للإصلاح وتجار الحروب أن يستنزفوا اقتصاد الخليج.

كما قال صالح النود المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، لرويترز، إن السبيل الوحيد لخروج “الشرعية” من مأزقها هو إخراج جميع عناصر حزب الإصلاح الإخواني، الذي يعد من أركان حكومة هادي.

الإخوان حلفاء مع الحوثيين

ويعتقد مراقبون أن حزب الإصلاح له أداء معيق لتوحيد الجبهة المناوئة للحوثيين وإرباكها بالمناورات والحسابات الفصائلية الخاصة، فضلا عن إعاقة عمل التحالف العربي والتخطيط لتشويه صورته وإظهاره بمظهر العاجز عن تحقيق نتائج على الأرض والسعي بشكل متكرر لدق الإسفين بين طرفيه الرئيسيين السعودية والإمارات.

على ذكر ما سبق فمع انقلاب الحوثيين مع حليفهم  صالح على الشرعية في اليمن عام 2015، كانت المواقع العسكرية التي يسيطر عليها قياديون من الإخوان تسقط بيد الانقلابيين دون قتال خاصة تلك المواقع في محافظة عمران شمالي البلاد.

ورغم قوتهم العسكرية، إلا أنهم لم يحركوا ساكناً حين بدأ الانقلاب الحوثي المشترك مع صالح، حتى أن اللواء 310 وهو لواء عسكري قوي معظم قادته وعناصره من حزب الإصلاح سقط بيد الانقلابيين من دون قتال فعلي، وفر قادة اللواء من المعركة.

ووفق ما نشرته العين الإماراتية في عام 2015، فإنه ثبت أن جماعة حزب الإصلاح الإخوانى اليمني يقاتلون جنباً إلى جنب مع الحوثيين، وقد اعتبر الكاتب والباحث السياسي اليمني علي نعمان المصفري أن جماعة الإخوان، تحولت إلى "سرطان مع (صالح) والحوثي لاستنزاف التحالف العربي".

وخلال السنوات الفائتة، أثار حزب التجمع للإصلاح، الكثير من علامات الاستفهام حول انتماءاته في الحرب الدائرة منذ عامين، فتارة يعلن تأييده للقوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، وتارة أخرى "يفتح صفحة جديدة" مع الحوثيين.

ورغم ادعاء الإخوان أنهم يقاتلون إلى جانب المقاومة الشعبية المؤيدة للشرعية، كشفت مصادر بالجيش اليمني، نشرتها رويرتز في عام 2017، العثور على جثث لمقاتلين بحزب الإصلاح قتلوا أثناء القتال في صفوف الحوثيين.

الإخوان تلعب بكل الأطراف

ولعب الإصلاح الإخواني بالرئيس هادي منصور، لأنه اعتقد أن الحسم العسكري للحرب في اليمن لصالح التحالف يضعف إمكانية حصولهم على مكاسب سياسية، وهذا يدفعهم للتركيز على  المفاوضات السياسية التى سوف تدفع بهم كطرف مفاوض، في حين أن الحسم العسكري قد يستثنيهم.

وقد دعم الإخوان ممثلين فى حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي للإخوان في اليمن عاصفة الحزم، لأنها ستعيدهم إلى المشهد السياسي باليمن، أصدرت الجماعة بياناً في 27 مارس أدانت فيه تحالف صالح مع الحوثيين، مؤكدة أن القضاء عليهم سيغير موازين القوى في سوريا والعراق، لأن معنويات المليشيات الشيعية منهارة وهذه أولى الخطوات لتحقيق النصر عليهم ودحرهم، لكنهم حين خاضوا الحرب ضد جماعة الحوثي هزموا في أولى المعارك بعمران، رغم امتلاكهم لقوات عسكرية ضخمة هي قوات الفرقة الأولى مدرع، وهرب بعضهم إلى تركيا وقطر والسعودية، وفكروا فى الهرب للجنوب اليمنى، وتفاوضوا مع الحوثيين فى لقاءات سرية بغية البحث عن مكاسب سياسية، وبعد 10 أيام من الحرب،

الموقف السعودي من الإخوان

خلال السنوات التي تلت 2011، وصل إخوان اليمن الى أعلى مراتب الجفاء مع السعودية، إلى درجة أن قيادات من حزب الإصلاح، كرئيس الهيئة العليا فيه، محمد اليدومي، حاولت لأكثر من مرة خلال العام 2014 الالتقاء بالقادة السعوديين، ولم يستجب هؤلاء لذلك الا بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين.

وبعد سقوط عمران، وفي مظاهرة لإخوان اليمن بالسعودية، رُفعت أعلام "شكرا ملك الإنسانية" لدعم الملك عبد الله اليمن بالمشتقات النفطية.

وعقب استيلاء الحوثيين على صنعاء (سبتمبر2011)، تحول شعار الحرب التي جمعت الطرفين إلى محاربة "الشيعة الاثنى عشرية"، ولأول مرة، لم يضم هذا التحالف الرئيس السابق (صالح)، بل صار خصمًا إلى جانب الحوثيين، بينما حل محله هادي الذي لا يتمتع بالنفوذ ولا بخبرات سلفه.

لم يعلن الإخوان (حزب الإصلاح) رسميا خوضه حرباً ضد الحوثيين في الحرب الداخلية، لكنه أصدر بيانا أيد فيه ضربات طائرات التحالف الذي تقوده الرياض ("عاصفة الحزم") ضد الحوثيين بعد أسبوع واحد من بدء القصف على صنعاء (26 مارس 2016).

فجأة وبدون ترتيب بدأ حزب الإصلاح المؤامرات، التي استهدف من خلالها تقسيم اليمن، وكان منها تحالفه مع القاعدة، حيث كشفت وثائق عثرت عليها قوات التحالف العربي باليمن في مدينة شبوة، عن التنسيق بين الإخوان و"القاعدة" بشكل مباشر، والتستر خلف عباءة المقاومة للقيام بأعمال إرهابية في الجنوب اليمني.

وفي تصريحات إعلامية سابقة قال الخبير السعودي إبراهيم آل مرعي، لقناة سكاي نيوز عربية، إن إيرادات الغاز استحوذ عليها حزب الاصلاح الإخوانى، ووضعها تحت تصرف القيادي الاخواني سلطان العرادة، مؤكدًا أن التحالف العربي تعرض للخيانة في شمال اليمن، مضيفاً إن الجماعة تستخدم القاعدة وداعش لفرض مشاريعها، ضاربًا المثل بمدينة تعز حيث يوجد بها العديد من التنظيمات والفصائل الدينية، بعضها مرتبط بتنظيم «القاعدة»، والآخر بـ«داعش»، لكن ما يجمعها هو ارتباطها بجماعة الإخوان.

وظل حزب الإصلاح يلعب هذا الدور ويساهم في تعثر حسم المعركة في الكثير من الجبهات، بسبب حرصه ألا تنتهى المعركة لحساب طرف دون الآخر، حيث يحرص على الاتفاق مع كل طرف على حدة من أجل معرفة المساحة التي يمكن أن يلعب بها فى يمن ما بعد الحوثي.

ومن هنا شهدنا كيف أن الإصلاح، فرع الإخوان في اليمن، شهد حالة من التناقض الغريب، فتارة يتحالفون مع الحوثيين، وتارة يتحالفون مع المملكة العربية السعودية ويؤيدون تحالفها العربي.

أحد الخبراء وهو الكاتب المصري محمود جابر، الوثيق الصلة بالشؤون اليمنية والحوثية، قال في تصريح خاص إن للإخوان علاقات بكل من قطر وتركيا اللتين تدعمان الحرب وتشاركان فيها بشكل أو بآخر،  لكن الإصلاح وجدوا أنفسهم في مرمى الحوثيين فتفاوضوا معهم، فى لقاءات سرية بغية البحث عن مكاسب سياسية، ولما زاد قصف قوات التحالف، أيدت الجماعة الحرب دعائياً.

وتحدثت مصادر أن جماعة الإخوان ظلت على مواقفها المتأرجحة في دعم جبهات القتال، رغم أن عددًا من كبار قادتها أعلنوا تأييدهم لـ«عاصفة الحزم»، لكن اتضح أن هذا التأييد لم يكن سوى عبارة عن مناورة تكتيكية لامتصاص نقمة الناس ضدهم في الداخل، بعد معارك عمران والسيطرة على اللواء 310 مدرع، الذي كان يقوده اللواء حميد القشيبي، المحسوب على الجماعة، وهي المعركة التي أفضت إلى سقوط صنعاء.

الخلاصة فإن ما يحدث في عدن يتعلق بتلون جماعة الإخوان وحولاتها، وتحالفاتها التي لا تثبت على حال، فهى تتحرك وفق أجندات خاصة، تتعلق بوضع ما بعد انتهاء الحرب، وكيف يمكن أن تجني أكبر المكاسب، وإن المواجهات الأخيرة كشفت لليمنيين خطر الإصلاح الذي يهيمن على مؤسسات “الشرعية” ويوهمها أنه القوة الأكثر تنظيماً والأكبر عدداً، وهذا ما ثبت كذبه بعد تعرضه لهزيمة بشعة أمام ألوية العمالقة، والقوات الإماراتية.