ماهر فرغلي يكتب:
نعم انتهى عصر الجماعات
في الندوة التي أقمناها مؤخراً تحدث د. ناجح إبراهيم على أن خلاصة تجربته النهائية (أن الإسلام لا يحتاج إلى جماعات، وأنه انتهى زمن التنظيمات)، وهذا الكلام كتبته منذ 4 أعوام تحت عنوان (هل يحتاج الإسلام إلى جماعة لتحميه؟)، وبعدها قرأت نقداً لما قيل.. والواضح أنه لم يدرك الإسلاميون المنتمون لتنظيمات حتى هذه اللحظة أن تجربتهم النهائية أدت إلى تقسيم الأوطان وإضعافها، بل وإلى هدمها بالكامل كما جرى في أفغانستان وسوريا، ولا زالوا مصرين على العمل من خلال تنظيمات، مرة بحجة الدعوة، وأخرى بحجة السلطة وتغيير المجتمع، رغم أن العمل من خلال جماعة من أجل الدعوة يؤخر الدعوة، ومن أجل السلطة يسحقهم تماماً ويجعل أنفهم تقترب من الحائط حتى أنه خلال الأعوام الثلاث الماضية لم يبق سوى أصابع قليلة قبل أن يتحطم وجههم.
توضيحاً للأمر، أإنه حين قلنا منذ سنوات طوال (انتهى عصر التنظيمات) لم نقصد أننا لن نشهد تنظيمات وجماعات، لأنه من المستحيل تاريخياً انتهائها، وستبقى طوال الوقت لأنها تستند إلى نصوص تراثية من تاريخنا المليء بالمعارك والانقلابات والخروج على الحكام، بدءاً من الخوارج الأوائل وحتى الإخوان المسلمين المعاصرين.
المقصود هنا هو انتهاء تلك النظرية، التي تقرن العمل الدعوي بوجود جماعة وتنظيم، لأن الإسلام لا يحتاج إلى جماعة لتحميه، أو تنظيم يدافع عنه، فهو يحمل فى تكوينه ما يجعله باقياً إلى الأبد، وكل هذه التنظيمات تدّعى أنها وجدت من أجل الدفاع عن الإسلام وشرائعه، هي جماعات كاذبة مخادعة، تخدع الناس والمجتمع باسم الدين، من أجل الوصول للسلطة.
أما من يقول إن الجماعات لم تنته، والدليل أن طالبان تتفاوض مع أمريكا، وجماعات ليبيا تنتصر على حفتر، فهو كلام مردود من الناحية السياسية، وأيضاً من الناحية الإجرائية، لأنه غير المقصود الذي ذهب إليه ناجح إبراهيم، أو ما كتبته أنا منذ 4 أعوام تقريباً، وهو تأصير وجود الجماعة على المسلمين، وعلى المجتمعات التي يعيشون بها، والضرر الذي لحق بالأمة جراء وجود هذه التنظيمات، وهو الذي لا يسعه كتب ومجلدات لذكره.
ما يشار إليه أن طالبان جماعة قومية بشتونية، وحربها هي طائفية في المقام الأول مع الأوزبك والطاجيك، وكانت باكستان تدعمها من أجل صراع إقليمي ما بينها وبين الهند وطاجيكستان وروسيا، وتحولت حربها فيما بعد لتحرر وطني من الاحتلال الأمريكي، وهي في مجملها حال وجودها في السلطة وعزلها منها، أنها هي الدولة، والآخرون محتلون، لذا لا يقاس على طالبان مفهوم التنظيمات التي نعرفها، وأما في ليبيا فالهزيمة محققة لهذه الجماعات، وما تسببت فيه التنظيمات هناك من مآسي وتدمير لكل ليبيا يندى له الجبين، وها هي حتى الآن تستخدم من الأتراك والقطريين وباقي العصابة لهدم ما تبقى من ليبيا، وأما الجماعة الموجود بتونس، فقد توصلت لما توصلنا له، وقال عبدالفتاح مورو في تصريح واضح (انتهى عصر الجماعات) واستوعبت النهضة تجربة ما حدث للجماعة الأم فى مصر، واضطرت للبحث عن حلول، وفى النهاية اختارت، التحول من استراتيجية الصدام الشامل مع النظام، إلى سياسة التعايش أو التكيّف الايجابي، أو ما يمكن أن نسميه "الإصلاحية" دون وجود تنظيم واضح، وللعلم هذه هي خطة التنظيم الدولي التي ستعمم في باقي الأقطار.
ورغم أنه لا يوجد فصل حقيقي بين الديني والسياسي في عقول الإسلاميين، وهذا الفصل، هو طريقة توظيفية إجرائية للعمل، فإن حركة النهضة ربما سبقت باقى الجماعات فى إزالة عقبة تاريخية أمام الإسلاميين فى طريق الاندماج والممارسة السياسية الشفافة والمتوازنة التى تعتمد على الكفاءة والخبرات وليس ادعاء الطهر والنقاء والورع والقدسية.
إن النظر إلى الإخوان فى مصر، أو إلى تصريحات الشيخ أسامة حافظ أمير الجماعة الإسلامية بمصر يدرك أن مصيبة الإسلاميين التنظيميين كبيرة، لأنهم غارقون فى المصائب طوال تاريخهم ولا زالوا مسكونين بقضية العمل الجماعي وبقصة الحكام وتكفيرهم، وأمامهم سنوات طوال حتى يتحولوا اجتماعياً وثقافياً إلى مقاصد الشريعة العامة، والبحث فى حلول لمشاكل المجتمع، والعمل داخل مشروع لخدمة شئون المواطنين، لا مشروع الهوية وخطاب الخلافة، أو ما يطلق عليه الانتقال من الطور الاحتجاجى إلى طور البناء والمشاركة السياسية.