نجيب غلاب يكتب:
خطر الفاشية الإسلاموية وانفصال الحوثية شمالاً
تتركز قوة الأحزاب الدينية المسيّسة في استخدام القوة والإرهاب المادي والمعنوي والإعلام بكثافة عالية، وتحويل الأعضاء إلى مراكز القيادة للتحكم بالمؤسسات والمنظمات، والحوثية نموذجاً.
أما في الواقع فيعيشون عزلة شعبية ورفضاً شعبياً يتنامى، وتوظيف الدين كأداة سياسة يخلق انقسامات حادة لصالحهم.
وفي هذا الإطار.. تؤسس الحوثية لانفصال عميق وخطير، ذهني ونفسي وثقافي وسياسي واجتماعي شمالاً.
وتسعى لبناء منطقة مغلقة مع الوسط والجنوب والشرق والغرب ومع كتلة الشمال الجمهورية.
التركيز على دعوة فك الارتباط مع وضد، وتجاهل أم المشاكل ورأس الكارثة، يؤسس لاحتراب أهلي يهيئ البيئة للغزوات الحوثية وإرهابها.
لا عدو لنا غير وكلاء إيران، اختطفوا صنعاء وغزو محافظاتنا ونهبوا مؤسسات دولتنا، وبنوا جهازا موازيا يحكم الدولة والمجتمع بالقهر والعنف والإرهاب.
كما سطو على المال العام والخاص ويصادرون حياة وأملاك كل حر، ويهينون الشخصية اليمنية ويشوهونها، ويرونها عبودية في محراب ولاية عنصرية نافية لهويتنا.
كان المؤتمر صخرة صلدة أمام ظلامية وظلمة الأصولية الحوثية، وكان وجوده كفعل سياسي وككتلة شعبية ممتدة وكمركز مسيطر، قوة صلبة وحيوية في مكافحة وصد الإرهاب بالحراك الشعبي وبالحكم.
عندما تم إضعاف المؤتمر انبعث الأصوليات الطائفية والمناطقية لتدير انقسامات عمودية ورأسية تهدد وجودنا اليماني.
لذلك فإن استعادة الدولة هو الحل، إلا أن الصراع عليها من قبل الطائفة والقبيلة والمنطقة والأيديولوجيا الإسلاموية أفقد كل المشاريع قدرتها على بناء الدولة ولم يتمكن اليمن من تخليق شرعية جامعة تمكننا من تأسيس دولة، فالتشتت والتفكك والتناقضات في بنية الجغرافيا اليمنية يولد نزاعات دائمة حول الشرعية، وهذا النزاع لا يتخلق في البنية الاجتماعية إلا نتاج عمل تعبوي تنتجه النخب مستخدمة أدواتها التقليدية المحفزة للوعي القبلي بصوره المختلفة.
وهي في الغالب غير مهمومة بالمصالح الكلية للأفراد، حتى الأفراد التابعين لها فهم أدواتها في مغالبة الخصوم على تحصيل الغنائم.
ولأن الهوية الوطنية في عصرنا لا يمكن أن تتجسد إلا عبر دولة واحدة محكومة بدستور واضح المعالم مستجيب لواقع اليمن وتجربته التاريخية وطموحه المستقبلي، فإن الشعور بالهوية اليمنية لا معنى له طالما ظل الانقسام الحاد في بنية المجتمع يؤسس له الصراع السياسي، فالولاءات الدنيا هي الفاعلة ولها القول الفصل.
يبدو لي أن وعي القبيلة بتجليه العصبوي الجشع والمتخلف يتحكم بالفاعلين والطامحين، يلعب دورا مركزيا في إعاقة بناء الهوية الجامعة، لأن من خصائصه أنه يتماهى مع القيم الكبرى، دينية أو إنسانية، وفي الوقت نفسه إحساسه بالمغايرة والتعصب وتقديس القوة والفخر بالآباء والأجداد، والارتباط بالتاريخ المتسلسل للقبيلة أو العرق أو الطائفة أو المنطقة... الخ. وهذا الوعي الغائر ينفجر بمجرد بروز مخاطر معينة أو اجتاحت المجتمع أزمات مفصلية.
مع ملاحظة جديرة بالأهمية ولا بد من الانتباه لها وتفصيلها بالشرح والتفسير وهي أن القبيلة بشكلها التقليدي لم تعد قوية بفعل تحولات متلاحقة وبالذات في العهد الجمهوري، وتمثل القرية والعائلات محدداً لأي تفسير والمدن بوضعها الحالي ظاهرة جديدة تحتاج إلى دراسة واضحة لفهم تأثيرها على بناء الشرعية الجامعة.
ونذكر ملاحظة مهمة فعندما تظهر ملامح تركيز للقوة باعتبارها المدخل الأول لتحجيم مصالح النخب الفاعلة لصالح الدولة فإن النخب اليمنية مهما كانت تناقضاتها تعيد بناء لحمتها لإضعاف أي محاولات جادة لتركيز القوة، وتتصارع فيما بينها وتنتهي إلى إعادة القسمة والتضحية بجزء منها ككباش فداء لشرعنة هيمنتها.
الواقع اليوم ملتهب ولدى الناس طموح كبير بتجاوز إشكالية واقع اليمن المتناحر في الخصومات والنزاع على الغنائم، إلا أن واقع الحال يتجه بما يناهض الأمل، فالقوى المتنازعة بتنوعها المختلف تدير صراعاتها بوعيها التقليدي ولم تظهر ملامح قوة لها كتلة اجتماعية قادرة على تجاوز الآخرين لصالح مشروع وطني واضح المعالم.
فالحوثي تحول إلى شيخ قبلي بأيديولوجيا دينية كهنوتية يهيمن على وعيها بالمطلق، وعي القبيلة العنصرية الذي يحاول إخفاءه لتقوية انتشاره.
والحراك الجنوبي يدير صراعه بوعي القبيلي الذي يتعامل مع الشمالي باعتباره دخيلا على أرض القبيلة وفي عمق الحراك وعي قبلي سيدير معاركه بنفس الوعي الذي يديره مع الشمال.
ومراكز القوى في صنعاء وتحالفاتها المنتشرة في الجغرافيا اليمنية تبحث عن خلاصها في حلول تنتجها صفقات تعيد تقسيم المصالح، وهذا يتطلب التخلص من كتلة معتبرة من المنافسين والخصوم، لذا يتحاورون ويخطط بعض الطامحين لمواجهات عنيفة كطريق وحيد لإضعاف أو تصفية الخصوم أو التحكم بهم، بما يعني أن التاريخ يكرر نفسه ولا يريد أن يغادر أخطاءه الكارثية. ولولا التدخل الخارجي لكان العنف خيار الأطراف كلها حتى الضعيفة منها.
وهناك اتجاهات واضحة لإرباك الخارج وتوريطه في الصراعات الداخلية أو الوصول به إلى حالة الإحباط لتتمكن الأطراف الداخلية من حسم خياراتها الشرسة.
ولبناء الدولة فإن الواقع اليمني يحتاج إلى ليبرالية معتدلة متوائمة مع واقعنا، وبدون ذلك فإن اليمن لن يتمكن من بناء هويته الوطنية ولا من بناء دولته مهما كان الشكل المتوافق عليه.
الليبرالية المعتدلة الملائمة لواقعنا بحاجة إلى إبداع الفكرة والمشروع لتكون فهي الطاقة الجبارة التي يحتاجه اليمن لتجاوز أخطائه ولكي يتمكن من الانتقال إلى المستقبل.
ومن خبرة في الملف اليمني عادة عندما تسعى الأطراف الأكثر تأثيرا لإدارة صراعاتها، يخترع طرف قضية، وفي خضم الصراع يتم ضخ المال لبناء تكتلات متعارضة، ويتم تغطية طبيعة الصراع بين المراكز المؤثرة على الموارد والسلطة والنفوذ، ينخرط الرأي العام في المشكلة وينساها بمجرد عقد الصفقات بين المراكز.
وحالياً الجماعة الثورجية وتنفيذاً للأجندات الإخوانية، استنفرت ضد الإمارات مستغلة المشاكل بين الإمارات والشرعية، وبلغت الحملة حد أنها كشفت طاقات لم توظف ضد الحوثية خلال خمس سنوات!! وأوضحت أن تنظيم الإخوان الدولي في اليمن قوي ومتغلغل، وتحالفاته واسعة، ويتعامل مع الملف اليمني كملف مركزي في معاركه.
وعملياً ما زالت الفاشية الإسلاموية في حدها الأدنى، ولو تمكنت من اكتساح بعض الدول سندخل حقبة من الصراعات العدمية، وإدخال الشعوب في تعبئة ضد العصر وضد الآخر، وقبضة حديدية فكرية وأمنية وقمع شامل وفقر مدقع، مع إعادة تركيز الثروة بأيدي أباطرة التنظيمات.
النجاة في تحالفات تواجه هذه الفاشيات بحزم.