نهى الصراف تكتب:
عليهم أن يغلقوا أفواههم
التعالي على الآخرين سمة بشرية لم تستطع حتى المجتمعات المتحضرة تشذيبها. نقرأ ونسمع بين حين وآخر عن حادثة اعتداء لفظية مردها شعور مرضي بالتفوق والغلبة من قبل بعض الأشخاص، لا يجدون في الفرد المقابل سوى تركيبة فاشلة لا ترقى إلى مستواهم، وبالتالي فهو يستحق ما يقدمونه له على طبق من نقد؛ بذاءة لفظية مخجلة.
يرى هؤلاء في نجاحهم في العمل أو تراكم الأرقام في حساباتهم البنكية، سببا للتعالي على من هم أقل حظا. في حين تتفوق بعض السيدات في استخدام شتى أساليب الغرور المرضي حين يتعاملن بفوقية مقيتة مع أخريات أقل حظا في جمال الوجه والقوام أو الأناقة بل وحتى في لون البشرة!
موجة التحقير شبه السائدة هذه الأيام، تتضح أكثر في التنمر على من يعاني من زيادة الوزن أو السمنة.
ولعل تعبير “من يعاني” خير دليل على أن الأمر من منظور عام لا يعدو سوى كونه مرضا مثل بقية الأمراض، الذي يتطلب في بعض الأحيان تناول أدوية أو تدخلا جراحيا أو حتى حمية غذائية معينة.
يعاني أصحاب الوزن الزائد مثل غيرهم من المصابين بأمراض مختلفة، لكن معاناتهم تبدو أشد حين يتعلق الأمر بالتنمر اللفظي الذي يواجهونه في الشارع من قبل غرباء، أو حتى في المنزل من قبل أقرب الناس.
قبل أسابيع، تم إيقاف مذيعة عربية عن عملها في برنامج تلفزيوني بسبب حديثها غير اللائق وتصريحاتها المثيرة للجدل عن السيدات اللاتي يعانين من زيادة في الوزن.
يعاني أصحاب الوزن الزائد مثل غيرهم من المصابين بأمراض مختلفة، لكن معاناتهم تبدو أشد حين يتعلق الأمر بالتنمر اللفظي الذي يواجهونه في الشارع من قبل غرباء، أو حتى في المنزل من قبل أقرب الناس
وأشارت في معرض إساءتها للسيدات تحديدا إلى أن “الناس البدينة ميتة، وعبء على أهلها والدولة .. وأن المرأة البدينة لن تجد من يتزوجها إلا إذا كان بدينا مثلها”!
لم تمر أيام قليلة بعد ذلك حتى طالعتني في صحيفة بريطانية كلمات صادمة صدرت عن مدربة لياقة بدنية في أحد النوادي الرياضية، وهي تقدم نصيحتها لمن يرغب بتنحيف جسده وخسارة بعض الوزن، قائلة “عليهم أن يغلقوا أفواههم قليلا.. ويشعروا بالخجل”! في إشارة إلى وجوب اتباع حمية غذائية قاسية إضافة إلى النظر في المرآة ومواصلة تقريع النفس بلومها وجلدها متى ما توفرت الفرصة لذلك.
خلاف ذلك، دعت الجمعية البريطانية للطب النفسي إلى تلافي استخدام اصطلاح “سمنة” واستبداله بتعبير “التعايش مع السمنة”، في إشارة إلى أن السمنة ليست خيارا في الغالب وهي قد لا تتعلق بالأشخاص الذين يفتقدون إلى الإرادة، بمعنى الإرادة عن الامتناع عن الأطعمة والمشروبات التي تؤدي إلى زيادة الوزن.
ودعت المعنيين إلى بذل المزيد من الجهد، لمعالجة السمنة التي يؤكد متخصصون على أنها ناجمة عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك الجينات، مشيرين إلى أن “السمنة” قد تكون ناتجة عن سلوك معين، إلا أن هذا السلوك ربما لا يكون خيارا أو مسؤولية شخصية بالضرورة فالأمر أكثر تعقيدا مما يظهر، حيث يرجع إلى مجموعة من المسببات بما في ذلك الوراثة.
بالتأكيد، لن تغير هذه الدعوة الصادقة مفاهيم تربت عليها أجيال متعاقبة في مجتمعات سواء أكانت متحضرة أو دون ذلك.
وربما تستمر معاناة أصحاب الوزن الزائد حتى ولو تمكنوا بإرادة من حديد إغلاق أفواههم إلى ما شاءت لهم إرادتهم، من دون الحصول على نتائج مرضية لمنتقديهم.
لكن، هناك بالتأكيد من يتوجب عليهم غلق أفواههم أولا!