فيصل الصوفي يكتب:
حيل شيوخ الإعجاز العلمي في القرآن!
أنظروا.. قبل أكثر من مائتين وخمسين عاماً، أنشد الشاعر اليمني عبد الرحمن الآنسي قصيدة ورد فيها هذا البيت:
يعارضها اللصوص ليدركوها ومن يعلق براكبة الهواء
فيا للعجب! فقبل اختراع الطائرة بنحو مائة وخمسين عاماً، قال: راكبة الهواء، أليس في الكلمتين هاتين إعجاز علمي؟ نعم هو كذلك إعجاز علمي شديد الوضوح، إذ إن راكبة الهواء إشارة إلى الطائرة! بينما في العقد الأول من القرن العشرين فقط تمكن الأخوان رايت من اختراع الطائرة، ثم صنعت لاحقاً بفضل العلم الحديث، بينما صاحبنا قد قال: راكبة الهواء.
ووجه الإعجاز هنا أنه في زمن هذا الشاعر (ولد عام 1755)، لم يكن أحد ليتصور إمكانية وجود آلة تركب الهواء، والمدهش أن عدم القدرة على تصور آلة تركب الهواء لم يقتصر في ذلك الوقت على آدميين يعيشون في بلد متخلف
ومعزول عن الدنيا كاليمن، بل إن علماء كانوا موجودين في القارة الأوروبية المتقدمة، لم يتصوروا حدوث مثل هذا، حتى إن عالم فيزياء ضخماً هو اللورد كلفن كان في العام 1899، يجزم أن الآلات الطائرة الأثقل من الهواء مستحيلة!
قد يبدو هذا إعجازاً أو سبقاً علمياً مقنعاً لبعض القراء المتعجلين..
بينما لا شيء من ذلك في حقيقة الأمر، لأن الشاعر عني بقوله: راكبة الهواء، الناقة.. ويفهم ذلك بسهولة من البيت الذي سبق البيت محل الاستدلال، إذ قال في القصيدة نفسها:
على وجناء تخترق الموامي وتجتاز المياه على الظماء
وإنما اخترنا من قصيدته بيتاً فصلناه عن ما قبله وعن ما بعده، ثم بعد ذلك اخترنا من البيت تلكما الكلمتين: راكبة الهواء.. دون سواهما، لكي نقرر أن في كلامه إعجازاً علمياً.
هذه بالضبط هي طريقة المشتغلين بالإعجاز العلمي في القرآن، يقتطعون من السورة القرآنية آية، أو نصف آية، أو يختارون من الآية كلمتين، وأحياناً واحدة فقط، يتوهمون مناسبتها لنظرية أو كشف علمي معين، ثم يقولون للمؤمنين: أنظروا، إن القرآن بقوله هذا قد أشار إلى هذه النظرية، فسبق العلم الحديث فترة تزيد على 1400 عام. ويسمون هذا إعجازاً علمياً في القرآن.
ولم يقفوا بهذا الضرب من الإعجاز عند حد معين، بل مدوا صلاحيته إلى كل مجالات العلوم التجريبية وتفريعاتها: فيزياء وكيمياء وفلك وفيزياء فلكية، وجيولوجيا وبيولوجيا وطب، والخلايا الجذعية حتى.
بمثل هذه الحيلة التي ضربنا لها المثل، أنتج وينتج رجال الدين ما يسمى الإعجاز العلمي في القرآن..
والعجيب أنه على الرغم من غزارة المنتوج من هذه البضاعة المغشوشة، ينتظر المستهلكون مزيداً منها، حتى إن مؤمنين صادقين كثراً ذوي مستويات علمية عليا ومتوسطة يتأثرون بهذا المنتوج ويثقون به ثقة عمياء..
يشعرون براحة نفوسهم عند قراءة أو استماع معاجز القرآن العلمية، دون أن يدركوا أنها في الحقيقة متوهمة ومكذوب بها عليهم، لأنهم لا يكلفون أنفسهم التأمل فيها بعقل ناقد.