نهى الصراف يكتب:
خدعة أم حلوى
نعيش داخل واقع مليء بمشاهد الرعب، حيث يقتل فيه الأفراد بحادث سير أو طعنة سكين وهم متوجهون إلى أعمالهم، أو برصاصة قناص وهم متوجهون إلى تظاهرة سلمية للمطالبة بحقوقهم.
في جميع الأحوال إن للموت سحره طالما رسمت حدوده، هالة من فضول قد تأسر مشاعر الناس حتى وهم في أوج لحظات الفرح، فهناك طرق عدة يمكن أن يتداخل فيها عالم الأحياء بعالم الأموات، في ساعات النوم أو لحظات اليقظة التي تشبه الكوابيس.
الموت بتفاصيله انتهى إلى أن يحكم عالمنا، فصار جزءا من يومياتنا ولم يعد يعنينا أن نتهرب من أخباره وتفاصيل خط سيره، بل إننا نسعى لذلك بكل الطرق الممكنة كمن أصابه جرح في قدمه فتراه يمعن في الضغط عليه ليستمتع بشعور الألم. بذلك، تأتي هذه الأيام المناسبة السنوية لعيد الـ”هالوين” لضخ المزيد من جرعات الخوف إلى أرواحنا الهائمة في ملكوت الموت.
كنت أتجول في المركز التجاري القريب من منزلي، إذ تنشط في هذه الأيام من كل سنة مصانع الألعاب والحلويات والمحال التجارية التي توفر لها مناسبة الهالوين نشاطا تجاريا وزيادة في الإنتاج، حيث امتلأت الرفوف عن آخرها بمقتنيات؛ تذكارات، حلويات، أزياء وهدايا تحمل جميعها أيقونة عيد الهالوين الذي تصادف مناسبته السنوية نهاية شهر أكتوبر الجاري.

يعتقد أن للهالوين، أو كما يسميه البعض “عيد الهلع”، أصولا في المهرجانات والأعياد الشعبية والوثنية القديمة التي كانت تقام في هذا الوقت من السنة في البلاد الناطقة باللغات السلتية مثل أسكتلندا وأيرلندا، حيث يرمز لانتهاء فصل الصيف وبدء فصل الشتاء.
وفقا لمعتقدات هؤلاء، فإن قدوم الشتاء كان يجلب معه العديد من الأرواح الشريرة أيضا، ولاتقاء شرور تلك الكائنات كان الناس يضيئون النيران ويلبسون الملابس المخيفة لطرد الأشباح، أي أن الهدف منه بث الرعب في الأرواح الشريرة التي تخرج في هذا الوقت من السنة.
وبحسب بعض النظريات التاريخية، فإن هذا العيد هو في الأساس وثني، وقد عمدت المسيحية بعد ظهورها إلى منع الاحتفال به، لكن بمرور الزمن وعبر التاريخ اختلطت الأعياد بين دينية ووثنية لدى الناس ولم يعد التمييز في ما بينها ممكنا.
تتخذ أشكال وألوان ملابس وأقنعة الهالوين، طابع التنوع عبر الأجيال كما تتابع آخر تقليعات الموضة، ولكنها تبقى مرابطة عند محور بذاته؛ فتدور حول فكرة الموت والأشباح بشكل عام.
تشمل تقاليد عيد الهالوين طقسا يعرف باسم “خدعة أم حلوى؟” حيث يقوم الأطفال في فترة العيد بالتجول من منزل إلى آخر مرتدين أزياء الهالوين أو أقنعة مخيفة، ويطلبون الحلوى من أصحاب المنازل، بعد أن يلقوا على من يفتح الباب السؤال التقليدي “خدعة أم حلوى؟”، وهذه العبارة تعني أنه إذا لم يعط صاحب البيت للطفل أيّ شيء من الحلوى فإنه سيقوم بإلقاء سحر أو عمل مكيدة لصاحب المنزل، يمكن أن يُلحق ضررا ما بممتلكاته!
تبدو هذه الفكرة مضحكة للغاية، فمن أين للصغار بخدعة سحر يمكرون بها لصب اللعنة على منازل الجيران والمعارف؟
الخدعة الوحيدة الممكنة، هي وجودنا في هذا العالم المليء بأصحاب الأقنعة المخيفة الذين يجبروننا كل يوم على إلقاء الحلوى لهم، ليدسوا لنا السم حتى في قهوة الصباح!