نهى الصراف تكتب:

عين الجار الحسود

يحدث هذا أغلب الوقت؛ يمنح موظف زيادة في أجوره الشهرية أو يحصل على مكافأة نتيجة جهود استثنائية في العمل، فيقضي الساعات القليلة بعد تسلمه الرزق الذي لم يكن في الحسبان فرحاً متفائلاً وهو يتخيل الحفر الكثيرة الشحيحة التي يتعثر بها مسطح حياته المادية، بعد أن تملأ وترمم بالمال الوفير فتسقى وتزهر من جديد؛ تسديد بعض الديون، شراء قطع أثاث جديدة، هدايا كثيرة للصغار وربما رحلة سياحية إلى منتجع محلي بأسعار تعاونية!

يحدث، أيضاً، ما لم يكن بالحسبان، وما زال الحلم طرياً في ذهن صاحبنا الموظف الذي تسلّم مكافأته قبل قليل. ستقابله عند مدخل المنزل رسالة من البلدية تحمل غرامة مالية كبيرة بسبب مخالفة مرورية، أو تنتهي دورة حياة الغسالة أو الثلاجة أو الطباخ بصورة مفاجئة، وربما تزلّ قدمه بقشر موزة في شارع فرعي فيمضي أسبوعاً كاملاً في ردهات مستشفى يجبّر كسور قدميه ويقضي على ما تبقى من مبلغ المكافأة. مفاجآت أخرى يستحيل تخيلها يمكن أن تقضم ببساطة الزيادة اليتيمة في الراتب وهي تنخر كالحشرة الطريق غير السالك فتقضي على المدخرات إن وجدت.

هل هذا قلّة حظ أم عين الجار الحسود؟

لا هذا ولا ذاك ربما، إذا علمنا أن هناك تفاوتا كبيرا في أرزاق الناس، وسواء كان هذا الأمر مقدراً أم خاضعاً لسلسلة معقدة من الأسباب المنطقية فإنه حقيقة لا غبار عليها. الرزق؛ هو كل ما ينتفَع به أو المال المحصل نتيجة عمل وجهد بينما يراه بعض المفسرين بأنه النعمة التي تأتي من حيث لا يحتسب المرء، أي أنه هبة قد تنزل عليه من السماء بلا حساب مثل المطر الذي ينزل على الأرض، هبة من هبات الطبيعة للأرض المزهرة والقاحلة على حد سواء وهذا الأمر فيه من الحظ الكثير!

في كل الحالات، فإن الأرزاق هي أسباب للعيش بصرف النظر عن الطريقة التي يتبعها الناس في تأويل الكلمة، كما أن للأرزاق وجوهاً أخرى مثل العطايا الإلهية، حيث يتمتع الناس بنعمة الإنجاب بينما يحرم بعضهم من ذلك، وهذا ما يسري على كل مصادر العيش والرفاهية الشخصية. في الغالب، يكون العمل والجهد المبذول فيه مصدراً مهماً لزيادة الرزق المادي عموماً وتحسين الوضع المعيشي للإنسان، باستثناء العطايا التي ترتبط بالحظ والقدر والتي لا تتحقق بالتدخل المباشر من قبل الإنسان.

مع هذا، فإن الناس ما زالوا يجتهدون في العمل ويبدعون أساليب متنوعة لطرق أكثر من باب للرزق الحلال وهو لا يشبه جري الوحوش كما تذهب إلى ذلك بعض الأمثال الشعبية المستفزة، لكنها محاولات متكررة لتغيير دفة الحظ  وترويض وحوش ماكينة القدر التي تسحبهم إلى الخلف كلما حاولوا التقدم إلى الأمام، هدف نبيل يقضي بعض الناس معظم أيام حياتهم في السعي لتحقيقه لكن دون جدوى، إذ يتضح لهم بعد محاولات مستميتة أن شيئا ما يقف حائلاً بينهم وبين تغيير الأمر الواقع، شيئا يتعلق بمحدودية رزقهم مهما كانت محاولاتهم نبيلة وصادقة لتغييره. وحتى إن تسرب اليأس إلى نفوسهم في لحظات ضعف وما أكثرها، فهذا لا يمنعهم من شرف المحاولة!