ربيع الأنظمة الذي حطم الشعوب

بعد كل ما جرى من فوضى في العالم العربي ألا يمكن القول الآن أن العرب فقدوا ثقتهم بالثورات؟ ولكن ما البديل من أجل أن يقع التغيير في عالم ترفض أطرافه الحوار في ما بينها؟ لقد راهنت كل الأطراف على القوة وفشلت. سقطت أنظمة سياسية ما كان أحد يتوقع سقوطها بتلك الطريقة الخاطفة غير أن حياة الناس العاديين لم ترتق إلى المستوى الذي يجعلها تحظى بالاحترام. لا يزل الفقر وهو عار تاريخي يطوق بحزامه مجتمعات يُفترض نظريا أنها مجتمعات ثرية. حتى اليمن وهي بلاد يُشاع أنها فقيرة يمكنها أن تحفظ لسكانها أمنهم الغذائي. لا يحتاج اليمنيون إلى ثورة لكي يأكلوا.

وإذا ما كانت ثورات الربيع العربي مشكوكا في مرجعياتها فإن ما لا يمكن إنكاره أن النظام السياسي العربي كان قد وصل إلى حافة الانهيار منذ عقود ولم يكن في حاجة إلا إلى ضربة خفيفة لكي يسقط.

كان الغزو الأميركي للعراق 2003 قد وقع في لحظته المناسبة ليكشف عن تلك الحقيقة التي تصر المعارضات العربية على عدم الاعتراف بها. خلال النصف ساعة الأولى من ذلك الغزو كان نظام صدام حسين قد خرج من المعادلة. مقاومة العراقيين العزل هي ما أخرت اعلان انتصار الغزاة أضافة إلى أن الآلة العسكرية الأميركية كانت ترغب في تأكيد حضورها من خلال خراب لم يكن ضروريا.

ما لم يكن المعارضون العراقيون قد تخيلوه حدث يومها في نصف ساعة. لقد سقط النظام الذي فشل خيالهم في الكشف عن معرفة حقيقته. لم تكن صورته الأخيرة كما توقعوا. لقد فاجأ النظام معارضيه بضعفه. أما كان في إمكانهم إسقاطه من غير الحاجة إلى غزو أميركي؟

بالتأكيد كان نظام صدام حسين أضعف من أنظمة سقطت بمجرد أن تظاهر الناس ضدها. حدث ذلك في القاهرة وفي تونس العاصمة وفي صنعاء. أما في ليبيا فقد احتاج الأمر إلى تدخل الناتو ليحسمه لصالح التمرد المسلح.

ما لم يكن ممكنا القيام به في العراق وقع في مصر وتونس واليمن.

لربما لم تكن فكرة الثورة الشعبية قد نضجت حين غزو العراق.

من وجهة نظري فإن ذلك الغزو بكل ما انطوى عليه من خسائر أميركية فادحة على المستويين المعنوي والمادي قد فتح الباب على فكرة إسقاط الأنظمة العربية منتهية الصلاحية من غير الحاجة إلى عمل عسكري إلا اضطرارا كما حدث في ليبيا.

كان من السهل أن يُحسم الصراع في ليبيا لصالح القذافي لولا تدخل الناتو.

ولكن ما حدث بعد ذلك يكشف أن الربيع العربي لم يهدف سوى إلى إسقاط أنظمة سياسية متهالكة لتحل محلها أنظمة جديدة لا تملك مشروعا للتغيير وهو ما كانت الشعوب ترنو إليه.

وليس من سبيل إلى فهم الكارثة الكبرى التي ضربت وتضرب سوريا إلا من خلال العودة إلى تلك المعادلة التي لا تنطوي على أي جانب وطني أو إنساني. لقد رفض الأسد تسليم السلطة كما فعل القذافي من قبل فحلت بسوريا اللعنة التي مولتها دول ثرية معروفة ورعتها الولايات المتحدة والغرب من خلفها وإن بطريقة أخرى غير تلك التي أتبعت في ليبيا.

من الواضح أن التغيير المطلوب الذي تأخر كثيرا ولا يبدو أنه سيقع في وقت قريب هو أكبر من قدرة الأطراف المتنازعة على الحكم على القيام به أو فهمه على الأقل.

لقد ألقى الربيع العربي شعوبا بأكملها في الهاوية بعد أن تبين أن الحياة السياسية في العالم العربي أفقر من أن يتسع خيالها لحلول حقيقية للمشكلات التي تمنع الإنسان العربي من الوصول إلى درجة إنسانيته.