مصطفى النعمان يكتب:

عن مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية

التقيت الدكتور عبدالله العليمي مرة وحيدة مصادفة في جنيف قبل أكثر من عامين، وتحادثنا لأقل من دقيقة وتكرم بأن أعطاني رقم هاتفه الخاص.

وترك اللقاء اليتيم انطباعا جيدا عندي عن الرجل ودماثة أخلاقه وتواضعه.

أنا اعتدت أن الخلاف في الشأن العام وانتقاد ما أقدره غير صحيح أمر طبيعي لا اقحمه في العلاقات الشخصية، وهذا سبب لي الكثير من العتب لكنه لم يمنعن من الاستمرار في النهج الذي أنا مقتنع به.

في تصوري أن الذي يتولى الوظيفة العامة وخاصة في مستوياتها العليا يجب أن يكون قادرا نفسيا على تحمل النقد، لأن لا أحد يستطيع ادعاء الكمال في عمله مهما بذل وحاول.

حين قرر الرئيس هادي اللجوء إلى الرياض طلبا لمساعدتها في العودة إلى صنعاء، توقع الجميع أن يكون مكتب رئاسة الجمهورية هو محور العمل اليومي والنشاط المستمر، والاجتماعات التي لا تتوقف لتنظيم أمور الدولة مؤقتا، وحشد الطاقات والأهم من ذلك كله التنسيق مع دول التحالف في المجال العسكري والإنساني.

كانت كبرى الأخطاء منذ البداية -وذكرت هذا كثيراً- أن رئيس الجمهورية تم تغييبه عن مجريات الأحداث العسكرية منذ اليوم الأول، ولم يطالب هو بأن يكون شريكا في القرار ومساراته، كما لو أنه استسلم للأمر الواقع فلم يقاومه ولم يحتج ولم يبد امتعاضا.

ثم جاء النزاع الذي حدث مبكرا بين الرئيس هادي ونائبه رئيس حكومته الأستاذ خالد بحاح.. ومرد الخلاف هو اختلاف الشخصيتين حد التناقض، والأخطر أن بحاح جاء إلى الرياض بعد أن تلقى وعودا بأنه سيتولى إدارة شؤون الدولة لتخوف الرياض من غياب هادي لأي سبب كان ولعدم اقتناعها سابقًا ولاحقًا بقدراته على إدارة البلد.

لم تحاول الرياض التدخل المباشر على أعلى مستوى منذ اليوم الأول لحل الخلاف بين الرئيس ونائبه، فتفاقم وصار علنيا وحدث الانقطاع بينهما، وبدأت عملية استقطاب أدت إلى مزيد من الإرباك والابتعاد عن القرار الحاسم.

حدث أن الكثيرين من الذين وفدوا إلى الرياض كان همهم الأول هو تأمين معيشتهم داخلها أو في عاصمة أخرى.. وزادت الطلبات على مكتب الرئاسة الذي لم يكن مهيأ بطاقم كفء غير مديره، ولم يكن المكتب قادرا على مواجهة سيل المطالبين الذين تصوروا أن الرياض ستفتح خزائنها لهم لإعالتهم.

بعد ذلك جاءت الدعوة إلى مؤتمر الرياض لحشد القوى التي تعارض مشروع الحوثيين في اليمن وتقف ضد الانقلاب الذي قاموا به، لكن الواقع أن المؤتمر لم يكن للكثيرين إلا فرصة نادرة لتسول مكافأة مالية أو وظيفة يقتنصها.!

هذه الحصيلة من الأخطاء لم يلتفت إليها أحد، ولم يقم مكتب الرئاسة الذي كان المؤسسة الافتراضية الوحيدة القائمة بترتيب أوضاعه لإدارة الملف العسكري والسياسي والإداري، لكنه اغلق الأبواب وصار المتحكمون به والقائمون عليه ممن قفزوا من المجهول بلا تجربة ادارية ولا خبرة سياسية ولا قدرات علمية بل انهم جميعا ينتمون الى منطقة جغرافية واحدة.

لم يكن مكتب الرئاسة بمستوى الموقف الذي وجد نفسه مضطرا للتعامل معه، وتحول تدريجيا الى مدير وسكرتير ومجموعة طباعين.. ولم تعد له مهمة سوى اصدار توجيهات للتعيينات داخل مؤسسات هائمة على وجه الارض، او صرف مساعدات مالية لكل من يسعده حظه القدرة على مقابلة الرئيس او الوصول اليه عبر مكتبه.

اهمل الرئيس المستشارين الذين عينهم لاعانته في اتخاذ القرار والمساهمة في ترشيده، ولم يعد اللقاء معهم الا لتمرير ما قد تم إقراره، فصاروا شهود زور لكنهم يخشون (عدا واحد او اثنين) أبديا المعارضة لهذا الاسلوب خشية حرمانهم من البقاء في مواقعهم الشرفية ومزاياه.

إن انتقادي للدكتور عبدالله العليمي ليس شخصيا فليس بيني وبينه أي خصومة ولا سابق معارك سياسية، ولكنه موجه أصلا للرئيس الذي يتحمل مسؤولية هذا الفشل.. وانا اقدر له أدبه الجم في المراسلات معي وسعة صدره..

مدير مكتب رئاسة الجمهورية هو في الأساس المصفاة التي تمر عبره كل قرارات الرئيس، وعليه ان ينصحه ويعترض على الأخطاء، واذا لم يفعل ذلك فهو شريك في كل ما يحدث.