وارد بدر السالم يكتب:
"فرانكشتاين في المدينة" الوحش في الآداب والفنون
تعتبر شخصية فرانكنشتاين من أشهر وأهم الشخصيات الخيالية على الإطلاق حيث خرجت من مخيلة الكاتبة الإنكليزية ماري شيلي منذ القرن التاسع عشر، لتصبح نموذجا للوحش، وللشخصية المركبة والمرعبة وظلت تتداول الشخصية إلى يومنا هذا في أعمال فنية وأدبية مختلفة. وفي هذا الإطار ينظم بيت الرواية التونسي تظاهرة “فرانكشتاين في المدينة” وذلك يومي 19 و20 ديسمبر 2019.
يستضيف “بيت الرواية” في تونس الخميس مؤتمراً أدبياً عربياً تحت عنوانين لافتين هما “فرانكشتاين في المدينة” أو “الوحش في الآداب والفنون” بواقع ندوتين تتضمنان عدداً من المحاور في الأدب والفن والسينما التي تتناول موضوعة الشر والوحش والمسخ.
ويسهم في كلا الندوتين باحثون ونقاد وروائيون ومترجمون عرب لإضاءة هذه الثيمة من وجهة نظر عربية، تتقصى أثر الشر في الأدب والفن الذي تمثله شخصية فرانكشتاين الخيالية المبتكرة قبل مئتي عام للروائية البريطانية ماري شيلي.
الكائن فرانكشتاين
من شخصية خيالية ألهبت خيال السرديين والفنانين في العالم إلى ندوة متخصصة تبحث في “شرّانية” الأدب عموماً عبر فرانكشتاين كمحفّز لمخيلة الكتابة العلمية والأدبية التي تتناول موضوعة الشر بوجهها العام. لذلك ارتبط اسم الروائية الإنكليزية ماري شيلي برواية “فرانكشتاين” كواحدة من أكثر الروايات رعباً وإثارة وبقاءً في ذاكرة الروايات العلمية. واستُلهمت هذه الشخصية الشريرة في أعمال سينمائية ومسرحية وتشكيلية كثيرة، بل وروائية أيضاً، حينما تركت أثرها الواضح على خيال الكتابات السردية، بوصفها نوعاً من أنواع الرواية القوطية التي تعالج الغرائبيات والأرواح والمسوخ والكوابيس، وهو موضوع أصبح أثيراً وموازياً للكتابة الواقعية، ليحقق خياله السردي تحت هذا القناع الذي تجري من ورائه حقائق الواقع الصادمة.
بالطبع سيكون فرانكشتاين نقيضاً لأسطورة بيجماليون اليونانية. فهو يمثل التمرد بأعلى درجاته المفزعة، بينما الأسطورة اليونانية قد باركتها الآلهة فينوس وتزوج الخالق بالمخلوق. ومن هذا التناقض السردي والفني تبقى “فرانكشتاين” شاخصة ببُعدها الفني والجمالي بعد مرور كل هذا السرد الزمني، وهي تصور القبح والشر في أعلى مراحلهما، ففي حين يبقى الأثر النحتي لبيجماليون شاخصاً أيضاً في الذاكرة الفنية وهو يصور الجمال في أعلى درجاته الأسطورية. على أن هذا المؤتمر سيتصدى لجانب واحد وهو الجانب السلبي الذي تصوره المنجزات العربية والعالمية في الرواية والسينما والفن التشكيلي لما له من رصيد “واقعي” في الحياة بشكل عام، ليكوّن إضافة نقدية وجمالية لجوهر فرانكشتاين- الشر الذي مارسته الكتابة منذ ذلك التاريخ حتى أصبح إحدى العلامات الواضحة في هذه المسارات السردية والفنية.
الكائن فرانكشتاين أو إله النار الجديد هو عالِم نجح في جمع أعضاء بشرية ونفخ فيها الروح بطريقة علمية حتى تحول إلى وحش بشري دموي وقوة هائلة نال من الآخرين بطريقة بشعة، وبذلك “تخلق” ماري شيلي شخصية سردية مرعبة بقيت لأكثر من 200 عام ترفد الفنون الأدبية والفنية بجماليات التمثيل والإخراج والتشكيل والكتابة المختلفة، من دون أن يتجرأ أي كاتب محايث لزمنها أو معاصر لاحق لتشكيل صورة شبيهة بالبطل الشرير الذي خلقته بمهارة، سوى من تناصّات سردية معروفة أخذت من فرانكشتاين اسمه وصورته البشعة وألصقتها على أحداث وطنية معاصرة.
كما فعلت شيلي بترتيب هذا الكائن من أعضاء بشرية متعددة لتخرج برواية إطارية وأنموذج سردي خارق بقي كل هذه السنوات يحمل اسم شيلي فقط التي أثّرت في أجيال روائية وقصصية كاملة، وكان تأثيرها بيّناً في مجمل حركية الأدب السردي والثقافة الشعبية التي تستهويها قصص الرعب في كثير من الأحيان. حتى أن كاتباً مرموقاً كجورج باتاي ناقش في كتابه المعروف “الأدب والشر” واستخلصه من كتابات عالمية رصينة لبودلير والمركيز دو ساد، وهذا الأخير يتميز بـ”شرانية” سردياته الروائية الحافلة بالجنس المجنون. وكافكا في روايته ذائعة الصيت “المسخ” التي بقيت إحدى علامات السرديات الكبرى في الأدب العالمي لما تحمله من مفارقة في شخصيتها التي تحولت من بشر إلى صرصار.
في الأرشيف المسرحي العالمي كان فرانكشتاين محور الشر والرعب في عدد من المسرحيات منها “مصير فرانكشتاين” 1823، و”ضحية مصاص الدماء” 1887، و”وحش فرانكشتاين” 1972 و”فرانكشتاين ماري شيلي” 1994 و”فرانكشتاين” 2011 وفي الروايات العالمية والعربية ظهرت هذه الشخصية الجدلية في عدد من الأعمال السردية التي حمل بعضها اسمه، في حين تحايل البعض بتهجين شخصية الشر إلى غير ما هي عليه في أصل الرواية الماريّة مع حبكة محلية لتغييب ملامح الشخصية الأساسية.
شخصية فريدة
الوحش الأدبي والتشكيلي والمسرحي في شرّه الإبداعي المنجز وقوّة تأثيره على الأجيال الأدبية المتعاقبة هو ما يجعل من هذه الثيمة تتكرر على مر الزمن الأدبي والفني، وتحظى باهتمامات بحثية ونقدية ومتابعات كثيرة، فالشر الزمني هو شر قائم بين الشعوب في الحروب والدكتاتوريات والتحول السريع في الرأسمال الصناعي الغربي الذي أنتج شروراً كثيرة على مستويات سياسية واجتماعية واقتصادية، ولّدت ظروفاً قاهرة بأن يتحول الإنسان إلى غير فطرته، وما من شك من أنّ الظرف العربي التابع لذلك الرأسمال أنتج هو أيضاً آلياته المتوحشة بتهشيم الطموح الذاتي والجماعي وتحويله إلى سوق استهلاكية بشعة، وبالتالي فإنّ الندوة التونسية في بيت الرواية ستقف على هذه الموضوعة المثيرة، مكرسة أعمالها وندوتيها عن الشر والوحش في الآداب والفنون.
وحكاية رواية ماري شيلي التي دخلت عالم الأدب بطريقة المصادفة تحت مسابقة لروايات الخيال العلمي، وبما أن موضوعة الشر متعددة الأوجه لدى الكتّاب، فسيكون الماركيز دو ساد أحدهم، بوصفه يتطرق إلى موضوعة الجنس من جانبها الوحشي والسادي الأكثر قبحاً بين الساردين العالميين. ولن تغفل الندوة أفكار جورج باتاي وهو يشرّح قضية الأدب لروايات عالمية معروفة تحت بند الشر الذي تابعه فكرياً بتحليلاته النقدية المعروفة. بالإضافة إلى الكثير من المداخل النقدية والتوثيقية للاقتباسات الكثيرة لرواية ماري شيلي في الآداب والفنون والترجمات، بإسهامات بحثية لضيوف الندوة أيمن الدبوسي وابتسام الوسلاتي وهاجر بن إدريس وكامل العامري ووفاء غربال وأميمة القابسي ونجاة الذهبي ووليد سليمان وهيام القطي وعباس بيضون وزهية جويرو وأحمد سعداوي ومحمد الحباشة.
الوحش الفني في الآداب والفنون سيزيح الغطاء النقدي لهذه الموضوعة الأثيرة ويكشف الكثير من ملابسات فرانكشتاين كشخصية فريدة ومدى تأثير سلوكها في السرد العربي بشكل عام.